أهمية التربية عندنا

التربية اختيار أساسي في عملنا، اختيار لا نملك عنه حِوَلاً، فنحن نرجو أن نكون جند الله أصحاب دعوته، ولذلك نقف في مواجهة أهل الباطل أعداء الإسلام، ودخولنا في خضم هذه المعركة يرتكز على وضوح في الرؤية، ولأن المعركة واسعة متعددة الميادين، ولأن أعداءنا مسلحون بالعلم والمعرفة والمعلومات فضلاً عن صنوف القوة، وهم كذلك من معتادي الخداع والتمويه، فلا مفر من أن ندرك بوضوح شديد أبعاد المعركة الدائرة بيننا وبينهم، وندرك ميادينها الرئيسة والفرعية، وندرك المواقع الأساسية والجانبية، ثم لا نسمح لهم أن يستدرجونا ليستنفذوا طاقاتنا وقواتنا في معارك جانبية هامشية فيكسبوا المعركة في ساحتها الرئيسية.

وعالمنا الإسلامي رغم ثروته لا يملك حرية القرار الاقتصادي، ومع ذلك فإن عدونا لم يكتفِ بتبعيتنا الاقتصادية فوق تبعيتنا السياسية، وكثير من المعارك والحروب تنتهي إذا ما اطمأن طرف إلى تبعية الآخر له اقتصاديًّا، إلا أن معركتنا مع عدونا لم تنتهِ رغم ذلك، وهو ما زال يعتبر أن هناك ما يستدعي استمرار المعركة معنا.

ولنقُل مِثْل ذلك في ميدان العلوم والتقنية، فضلا عن مجال القوة العسكرية، كان من المنطقي بعد ذلك كله أن لا يأبه عدونا بنا ولا يستشعر خطرًا من قِبَلنا، بعد أن أنزل بنا كل هذه الهزائم في كل هذه المجالات، لكنه ما زال يكيل لنا الضربات، لعلمه أنه ما زال لنا قوة تخيفه في ميدان من ميادين المعركة لم يهزمنا فيها بعد، ما زال عدونا يردد أن الخطر عليه هو الإسلام القادم، إنه يردد ذلك لأنه يعلم أنه لم يكسب المعركة الرئيسية، لم يكسب المعركة على محور الصراع الرئيسي أو في ميدانها الحقيقي، فما هو هذا الميدان؟؟

محور الصراع هو ميدان التربية والتكوين، فقد أدرك عدونا أنه فشل حينما زحزح مجتمعاتنا عن المنهج الإسلامي وأرسى بديلاً له من شيوعية أو ديمقراطية أو رأسمالية أو اشتراكية أو علمانية، فما لبث المسلمون إلا وعادوا إلى إسلامهم والدعوة إليه، هنا اعتبر العدو أن تكوين الإنسان المسلم هو الذي يجعله كالإناء، صالحًا لأن يحمل الإسلام حين تتاح له الفرصة، جرَّب عدونا أن يفرغ هذا الإناء من إسلامه، ويملأه بغيره،

فما هي إلا سنوات ويعود الإناء ليحمل الإسلام من جديد، لذلك فالعدو لا يهمه الآن ماذا يملأ الإناء بقدر ما يهمه أن يغير من خصائص هذا الإناء حتى يفسده، فلا يصلح أن يحمل إسلامًا يومًا ما، إنه يريد أن يفسد تكوين هذا الإناء وخصائصه حتى إذا صُبَّ فيه الإسلام فإنه لا يمسكه.

لذلك فإن المعركة الحقيقية بيننا وبين أعدائنا -في تقديرهم- هي معركة على التكوين والخصائص، أي أن محور الصراع بيننا وبينهم هو التربية، هم يريدون لنا خصائص وتكوينًا لا يسمحان لنا بشرف حمل الإسلام ونصرته، ونحن نريد أن نحافظ على تكويننا وخصائصنا التي تجعلنا صالحين لأن نحمل الإسلام وننصره يومًا ما.

ونحن بالتربية نستطيع أن:

1 – نستخرج المواهب والطاقات الكامنة في الإنسان ثم تصقل هذه المواهب، والطاقات، وتوظف التوظيف الذي يتفق ورسالة هذا الإنسان المسلم في هذه الأرض.

2 – ويكون التغلب على العقبات والمعوقات الموضوعة في طريق المسلم، والتي تحول بينه وبين أداء دوره على النحو اللائق المنشود.

3 – ويعالج الكسل أو الفتور الذي يعتري الإنسان لسبب أو لآخر، فإذا النشاط، والجدُّ، والحيوية، ومواصلة المسيرة إلى نهايتها، بل تعالجُ كلُّ الأمراض القلبية والسلوكية من الإعجاب بالنفس إلى الغرور إلى التكبر وهكذا.

4 – ويمكن الإفادة من العلم النظري بتحويله إلى تطبيق عملي يتحرك في النفس الإنسانية وفي واقع الحياة.