تعد التربية فن من الفنون التي تحتاج إلى علم وتدريب, لما لها من أهمية في صياغة وتشكيل النشء, ومن الطبيعي أن يواجه المربي أخطاء ومن واجبه أن يسعى لتعديلها بأساليب فنية لتتحول تلك الأخطاء إلى خبرات و تجارب يستفيد منها الطفل في مسيرة حياته.

وتكمن المشكلة عندما يسعى المربي لتعديل السلوك الخاطئ بأسلوب خاطئ, فيكون كمن يريد ضرب الذبابة التي تحركها النسمة اليسيرة من الهواء, بل وتغير مسارها, بمدفع!

 ينظر علماء النفس لعملية التربية كعملة لها وجهان:

وجه يمثل الإثابة والآخر يمثل العقاب, وكلاهما لا غنى عنه للحصول على السلوك المطلوب والقيام بالتربية على الوجه الصحيح.

ولكن هل خطر ببالك أيها المربي الفاضل عندما تواجه مشكلة تربوية مع الطفل أن تنتقي أسلوب العقاب المناسب لسنه ونوع الخطأ الذي ارتكبه؟

ولتكون الإجابة دقيقة هنا لابد أن نفسر معنى العقاب وهدفه وشروطه:

فالعقاب: هو الإجراء الذي يقوم به المربي في موقف ما للحد من السلوك الغير مرغوب فيه ولتقليل حدوثه في مواقف مماثلة.

وهو لا يتمثل في الضرب أو إلحاق الألم البدني في الطفل, إنما قد يكون بكلمة أو نظره أو الحرمان من أشياء محببة للطفل، أو عزله لبعض الوقت.

لذا فهو لا يعني إطلاقا إلحاق الأذى بالطفل, بل إنه كلما كان مناسبا للموقف كلما كان أقوى أثرا في التقليل من السلوك الخاطئ, وأقل أثرا في نفسية الطفل ونفوره من المربي.

كما أن له  شروطا يجدر معرفتها قبل القيام به ليعطي النتيجة المطلوبة والتي منها:

–         لا يجب عقاب الطفل قبل تعليمه الخطأ والصواب؛ لأنه ولد صفحة بيضاء ليكتسب ويتعلم ممن حوله.

–         إعلام الطفل السبب الذي عوقب من أجله ليعلم سبب عقابه.

–         تعليمه السلوك الجيد الإيجابي المقابل للسلوك السلبي الذي عوقب من أجله.

–         الحوار مع الطفل ليعلم أن العقاب بسبب سلوكه السلبي, بمعنى أن المشكلة في السلوك لا في الطفل ذاته؛ حتى لا تهتز ثقته بنفسه.

–         البدء بأقل أنواع العقاب، والتدرج به حسب سن الطفل ونوع السلوك وتكراره.

–         أن يكون العقاب بعد السلوك السلبي مباشرة.

–         أن لا نأمر الطفل بقول وعمل ويرى من أقوالنا وسلوكياتنا ما يتنافى معه.

–         تجنب العقاب البدني قدر الإمكان؛ لما له من آثار نفسية عميقة في نفس الطفل, وإن كان المربي لابد فاعلا؛ فليتجنب الوجه وليراع تناسب شدة العقاب مع سن الطفل, ويحاول استبداله كلما أصبح الطفل أكثر نضجا.

إن العقاب الشديد قد يولد مشكلات أكبر من الخطأ الأساس, فكثيرا ما يندفع الطفل للكذب؛ تجنبا وخوفا من العقاب القاسي الذي يزيده عنادا على خطئه, وقد يولد لديه عدوانية أو كبت لمشاعره وانعزالية, وكثيرا ما يجعله فريسة للقلق و الرهاب الاجتماعي؛ لأن ثقته بنفسه اهتزت فيشعر عندها بالدونية.

فما أجدر أن يتحلى المربي بالصبر والحكمة؛ ليحسن التعامل مع الموقف، فيجعل العقاب المناسب في الموقف المناسب, فالعقاب أشبه ما يكون بمثلث لا يكتمل ويتضح إلا بوجود كل أضلاعه الثلاثة مجتمعة:

                             السن + الوقت + نوع وشدة العقاب

وإلا كان عقابك أيها المربي ليس فقط عقيما, بل ويندرج تحت ما يسمى بالإفلاس التربوي.