الشخصية المتميزة والواعية للمسلم الداعية

الشيخ خالد زعرب

تعني الشخصية في مفهومها العام :
ملامح الإنسان وصفاته التي تميزه عن غيره، ولا يقتصر هذا المفهوم على الصفات البدنية، إنما يتعداها إلى الصفات لنفسية والاجتماعية والعقلية، وقد صارت الشخصية علماً على السمات الخاصة التي يتميز بها كل إنسان عن الآخر في عقيدته وعواطفه ومشاعره وسلوكه وعلاقته الاجتماعية وطرائق تفكيره وسائر تصرفاته الإرادية.

والحياة الإنسانية لا تقوم بالمقاييس الحسية الظاهرة، إنما تقوم بمعيار العقيدة والقيم الأخلاقية، والمستوى الفكري، لأن هذه هي خصائص الإنسان العاقل المكلف الرشيد.

وبهذا المفهوم الخاص تتميز شخصية المسلم عن غيره؛ فهي شخصية مؤمنة مهتدية، تتجه بمشاعرها وأحاسيسها لله تعالى، تستلهم منه الرشد والسداد، وتهتدي بنور الإيمان في سلوكها، وتتخذ الشريعة الإسلامية نبراسًا لها في تصرفاتها، وتحتكم إليها في كل شؤون حياتها، لأن الإيمان مصدر كل سلوك سوي ينبع من النفس الإنسانية، وبه يمكن تغيير الإنسان من داخله، وإصلاحه من باطنه، فالإنسان لا يقاد كما تقاد الأنعام، ولا يصنع كما تصنع الآلات من حديد أو نحاس أو معدن، إنما يحرك من عقله وقلبه، يُقنعُ فيقتنع، ويُهدَى فيهتدي، ويُرغب ويُرهب فيَرغب ويَرهب.

والإيمان هو الذي يحرك الإنسان ويوجهه، ويولد فيه طاقات هائلة لم تكن لتظهر بدونه، والإيمان كذلك لا يعترف بالمراحل والأعمار التي وضعها علماء النفس والتربية واشترطوها لنجاح المجهود التربوي تلك هي سن الطفولة، فإذا كبر المرء على صفات خاصة فهيهات أن يحدث فيها تغيير يذكر، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه ولكن الإيمان هو الشيء الوحيد الذي تخطى قواعد التربويين والنفسيين، فالإيمان هو العنصر الوحيد الذي يغير النفوس تغييرًا تامًا وينشئها خلقًا جديدًا، ولنأخذ على هذا أمثلة حية لأشخاص عاشوا في عهدين: عهد الكفر وعهد الإيمان لنرى الفارق وحسبنا مثلاً على هذا التحول الخطير.

رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية، وعرف أمرهما في الإسلام، الرجل هو عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان في الجاهلية يعبد الأصنام ويئد البنات، فلما دخل الإسلام قلبه صار فاروق هذه الأمة.

وأما المرأة فهي الخنساء التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها صخرًا فملأت الآفاق عليه بكاء وعويلاً وشعرًا حزينًا، فلما دخل الإسلام قلبها استشهد أولادها الأربعة في معركة القادسية فلم تلطم خدًا ولم تشق جيبًا بل قالت: “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.

– ما الذي غير عمر بن الخطاب القديم وصنع عمر الجديد؟

– وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟

إنه صانع المعجزات.. إنه الإيمان، إنه المفتاح الفذ لأقفال الحياة الكثيرة..

وإن من أساسيات الشخصية المسلمة التي يصنعها الإيمان:

– الأسوة الحسنة: إذ يبدأ المسلم تكوين شخصيته الإسلامية سلوكًا وتطبيقًا من القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر القرآن الصفات الأساسية التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالى، وهي الصورة التي تمثلها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن خلقه القرآن ولأن الله تعالى قد أدبه فأحسن تأديبه.

– العلم: حيث تتسامى شخصية المسلم بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير وينير مسالك الحياة فيمضي فيها على هدى، فتتميز شخصيته عن غيره بالفكر والعلم المفيد؛ يعرف الحق ويعرف الباطل ويعرف الخير ويعرف الشر.

-العبادات: فهي دعائم الإسلام وهي التطبيق العملي للعقيدة والعبادات بدورها تثمر السلوك الصحيح والخلق القويم وترسم لشخصية المسلم، الخطوط العريضة فيعيش حياته موصولاً بربه، حانيًا على مجتمعه، ففي كل عبادة من عبادات الإسلام يستشعر بنبض الإيمان في أعماقه فلا ينبعث من حياته إلا الخير.

– العمل: من الأسس الهامة في بناء شخصية المسلم، فالمسلم العامل له في الحياة أهميته مهما كان عمله مادام عملاً شريفًا وما دام كسبه حلالاً فهو يشارك في عمارة الحياة وازدهارها ويعمل على دفعها إلى الإمام. وتنهض شخصية المسلم على أساس العمل بإتقانه له، أخروياً كان أو دنيويًا.

– الجهاد: فالمسلم شجاع لا يعرف الجبن إلى قلبه سبيلا. يتوجه بعقيدة راسخة يرى من خلالها أن الأجل واحد، لذا فهو يدافع عن الدين وعن النفس والعرض والأرض والمال وفي قلبه يقين لا يتزعزع.

– العزة: من غير تكبر فهو لا يذل ولا يستكين لأحد، وعزته هذه تتنافى مع الغرور والاستعلاء.

– استقلال الشخصية: فهو يعتنق الحق ويسير على ضوئه ويعمل في دائرته دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه، وقد حرص الإسلام على تحرير الشخصية لئلا تستبد بها الآفات أو تحتلها الأباطيل والنزعات، فليس لأحد أن يخضع إلا لله، ودعا إلى تحرير الشخصية من العادات السيئة والتقاليد المرفوضة، وحث المسلم إلى تحرير شخصيته من الخوف والقلق.

– الثبات في العسر وفي اليسر: فهو شاكر في السراء، صابر في الضراء. وللمسلم شخصيته المعتدلة نحو المال الذي استودعه الله إياه فهو يتصرف فيه بالطرق المشروعة من غير إسراف أو تقتير، سائرًا على المنهج القرآني الذي رسمه الله تعالى في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.

– الشجاعة الأدبية: فهي إحدى قيم الإسلام الهامة، والشجاعة الأدبية تحتاجها مواقف الحياة الفاضلة، كجهاد أهل الباطل والزيغ والجهر بكلمة الحق، فالمسلم الذي يعتمد على ربه لا يخاف من مخلوق وإنما يخاف ربه وحده القادر على كل شيء.

– غني النفس: فالمسلم راض بما في يده، قانع بما عنده لا يتطلع إلى غيره.

– الصدق: بناء الشخصية عليه منذ فجر الصبا ويدعو الآباء والأمهات إلى تنشئة الأبناء عليه منذ صغرهم.

– الحياء: وهو شعبة من الإيمان وتتسم شخصية المسلم بأعلى أنواع الحياء وهو الحياء من الله تعالى.

– الأمانة: حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له”، ولعظمة الأمانة وضخامتها وما تشتمل عليه من أحكام الدين الشرعية فأن ضعاف الشخصية لا يستطيعون حملها.

– التعاون والعفة: نظرًا لحرصه على حفظ دينه وعرضه وكرامته وشرفه، والمبادرة بالعمل الصالح والوفاء والشكر والبر وقدرته على توثيق العلاقات الإنسانية والاجتماعية والعفو عند المقدرة والصبر وغير ذلك من السمات.