يريد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، سنة أخرى في منصبه. يريد سنة واحدة فقط، من “عُهْدَة” دستوريةٍ مدتها خمس سنوات. هكذا قال، في رسالة ترشحه لانتخابات إبريل/ نيسان المقبل، وهو مختفٍ عن الأنظار، يتلقى العلاج من أمراض شيخوخته العضال، في مستشفى سويسري بعيد. انتخبوني مجدّداً، وأعدكم بتنظيم “ندوة وطنية جامعة لمناقشة إصلاحات سياسية”، تدعو إلى انتخابات مبكرة خلال سنة، أضاف الرجل، قائلاً لشعبه المنتفض ضده، فأثار، من دون أن يعلم، ربما، تساؤلاتٍ مريرة، لا عما فشل في إنجازه، طوال عقدين، ويتوخّى استكماله، بل عن سر هذا التشبث بالحكم حتى رمق الحياة الأخير. وليس بوتفليقة، في واقع العرب، سوى مثال قديم متجدّد، من أمثلة ونماذج كثيرة، باتت تستدعي أبحاثاً علمية جادة، في الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية التي تدفع الحاكم إلى التضحية بكل ما قد يخطر، أو لا يخطر على بال، من أجل أن يبقى على كرسي الحكم. وبالعودة قليلاً إلى الوراء، يمكن أن نرى، مثلاً، كيف أصر معمر القذافي، على رفضه تقديم أي تنازل لشعبه، حتى انتهى مقتولاً بطريقةٍ شنيعة، وأبناؤه وبناته يتوزعون بين قتيل وأسير وشريد، مفضلاً هذا المصير المأساوي على خيار التخلي عن السلطة، والرحيل إلى مكانٍ ما من العالم، ليتنعم مترفاً بمليارات الدولارات التي نهبها من إيرادات بلاده النفطية.


وعلى غرار القذافي، انتهى الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، طريداً، ثم قتيلاً، لأنه لم يستطع استيعاب واقع خروجه من السلطة بالصفقة الخليجية التي أنهت ثلاثة عقود من حكمه، في مقابل منحه الحصانة من الملاحقة القانونية. وبدلاً من أن يستقل وأفراد عائلته طائرة تنقلهم وثروتهم الهائلة إلى حيث يريد، عاد “ليرقص على رؤوس الأفاعي” إلى أن تعرّض للدغة القاتلة، تاركاً بلاده عرضةً لحرب مدمرة، وشعبه يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. الرئيس السوري، بشار الأسد، نموذج ثالث على التمسّك بخيار “أنا أو الطوفان”. كان في وسعه مساومة الثورة، بتقديم تنازلاتٍ محدودة عن حكمه المطلق، غير أنه اختار المواجهة المسلحة التي كادت توصله إلى مصيرٍ يماثل ما انتهى إليه القذافي وصالح، لولا أن تدخل بعض القوى الإقليمية والدولية، فضلاً عن تواطؤ بعضها الآخر، قد أنقذه شخصياً، بينما دفعت بلاده، ولا تزال، ثمناً مريعاً، بتبديد سيادتها، وتدمير مدنها، وقتل مئات الألوف من أبنائها، وتشريد ملايين آخرين. 
لكن هذه الأمثلة التراجيدية، وسواها، في تاريخ المنطقة العربية، والعالم الثالث، لم تدفع ديكتاتوراً إلى مراجعة نفسه، أو إلى طلب العلاج من الشهوة القاتلة. وها هو الرئيس الجزائري المُقعد، يجد أنداداً له في التمسّك بالسلطة، أبرزهم الآن الرئيس السوداني عمر البشير الذي لم يتوان عن التضحية بمساعديه، ووزرائه، ليبرئ نفسه أمام شعبه المنتفض ضد الخراب، أملاً بتمديد رئاسته، حقبة جديدة، تضاف إلى ثلاثة عقود أمضاها في الحكم. 
وأذكر هنا أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كان قد تحدث مرة عن مثل هذه الرغبة في الحكم المديد، قائلاً: “لا أفهم دوافع بعض الرؤساء للبقاء في السلطة بالقوة، بعد جمعهم قدراً كبيراً من الأموال (…) أعتقد أنني يمكن أن أفوز بالرئاسة في حال ترشحت لولاية ثالثة، وهناك الكثير الذي أود القيام به من أجل مسيرة الولايات المتحدة، لكن المشكلة أن القانون هو القانون، وليس هناك أحد فوق القانون، حتى الرئيس ذاته”. في مكان آخر من هذا العالم يُدعى مصر، قد يضحك رئيس آخر، اسمه عبد الفتاح السيسي، ملء شدقيه، من كلام أوباما، وهو يفرض تغيير القوانين، كي يبقى في الحكم إلى الأبد، وقد يبكي الأبد، مُرَّ البكاء، أمام شهوةٍ تقود أصحابها إلى موتٍ زؤام، وتلقي ببلادهم في خراب عميم.