نواة الفتوحات الأوروبية للدولة العثمانية

في عام ٧٥٠هـ، حيث عهد أورخان بن عثمان بن أرطغرل رحمهم الله جميعاً، قد اجتمع مع رجال قبيلة القايي الأشداء وفي ذلك الاجتماع الذي ذَكَرَهُم فيه أنهم قد فتحوا مدينة بورصة التي كانت عاصمة الدولة العثمانية آنذاك، تنفيذا لوصية والده عثمان رحمه الله وغفر له.

وكذلك فتحوا معاقل الروم المجاورة لهم حتي اضطر إمبراطور الروم بعقد صلح معهم ولكن هذا الأمر لا يكفي إذ لابد من إيصال الإسلام داخل أوروبا.

وكان هذا الكلام لا يعني سوي أمر واحدٍ، وفقط ألا وهو الجهاد داخل الأراضي الأوربية، ومن عجيب الأمر أن هذا الخبر قوبل بترحاب كبير، وكان في هذا الاجتماع يجلس سليمان باشا بن أورخان الذي تحمس لهذا الخبر وطلب من أبيه أن يكون علي رأس هذا الفتح، فقوبل هذا أيضا بالموافقة والترحاب وذهب معه الغازي فاضل بك رحمه الله .

وبدون أي تردد ولا تهاون ولا تراخٍ تحرك الجنود والرجال المجاهدون بغية الجهاد بفتح أو شهادة فتحركوا في الصباح في سرعة وحكمة وحذر، وأخذوا ينهبون الأرض نهباً، حتى انتهي منهم البر ووصلوا إلي البحر الذي يفصلهم عن قارة أوروبا.

وهنا كانت المعضلة الكبرى كيف يعبرون هذا البحر دون أن يُكشف أمرُهم؟، بل كيف سيمرون دون أن تنالهم سهام الجنود النصارى من القلعة المواجهة للبحر؟، وكيف لهذا العدد من الجنود أن يعبر في الخفاء؟

بدأ الجنود المقاتلون في عرض الأمر على سليمان باشا بأنهم مستعدون بالتضحية بالنفس، وإن أمرهم بالعبور لعبروا، ولكنه كان يهدف إلي فتح، وليس إلى تضحيات تذهب هباءً منثوراً ويكتب عدد من الشهداء دون تحقيق نصر.

مهمة داخل المهمة

بعد أن أستشار سليمان باشا من معه، انتهى به الأمر إلى اختيار بعضاً منهم في مهمة قد يسميها البعض انتحارية، تهدف إلى تقصي الأحوال في الضفة الأخرى من أجل الوصول إلى ثغرة لدخول الحصن والسيطرة عليه.

وهنا انتظر سليمان باشا ورجاله حتى حل المساء وأعطى الأمر بعبور البحر الفاصل بينهم وبين أوروبا بجذوع الشجر، وكان من بينهم فاضل بك وعدد من الفرسان، وبالفعل وفقوا بفضل الله بالعبور سراً مستغلين خفاء الليل وقلة العدد من العبور إلى الضفة الأخرى وهناك رأوا أحد الجنود وهو نائم فألقوا القبض عليه ورجعوا إلى قائدهم سليمان باشا رحمه الله.

واستطاع سليمان باشا أن يهدأ من روع هذا الجندي ومنه حصل علي أغلي المعلومات وأكثرها أهمية على الإطلاق، حيث عرف المنافذ المؤدية إلى القلعة المواجهة لهم مباشرة والتي ستكون بوابة إلى أوروبا بعد ذلك.

المهمة الكبرى

ولما تيقن سليمان باشا من صحة المعلومات، لم يتوانى لحظة واحدة حيث في مساء اليوم التالي أختار ثمانين من المجاهدين الذين معه في مهمة استشهادية، لا تبغي إلا النصر أو الشهادة في سبيل الله تعالي، مهمة ذهاب بلا عودة، فعبروا هؤلاء الثمانين النهر سراً بالليل حتي وصلوا إلى الضفة الأخرى وعبروا المنافذ التي دل عليها الجندي فوصلوا إلي ممرٍ سريٍ والذي عن طريقة تسلل سليمان باشا وجنوده الثمانون إلى الحصن بكل هدوء، وذلك لأنه من نعم الله علي عباده وصدق وإخلاص الجنود أن كان هذا الوقت هو وقت الحصاد وجمع الفاكهة فلذلك كان السكان بل أكثرهم في البساتين والحقول المحيطة بالحصن؛ لذلك لم يصعب عليه الاستيلاء علي الحصن ولم تتيسر المقاومة للأعداء فاستسلمت الحامية الموجودة حقناً لدمائهم وبالفعل لم يتعرض المجاهدون لهم بأي أذي.

ولم يدع سليمان باشا الوقت يمر بدون فائدة فأرسل رجاله الذين سيطروا على السفن الراسية في البحر والعائدة للحصن وانتقلوا بها إلى الضفة الأخرى ونقلوا الجنود الموجودين هناك الذين لم يتمكنوا من الانطلاق مع سليمان باشا والثمانين مجاهد في المرة الأولى.

فيتنقل كل هؤلاء إلى الحصن الجديد الذي فتح علي يد سليمان باشا ومن معه ولكن هذه المرة لم يتوقفوا في الحصن بل انتقلوا إلى فتح الحصن الذي يليه بسرعة وكُتب لهم النصر المبين بفتح الحصنين الكبيرين الذين أصبحا بعد ذلك بوابة العبور إلى أوروبا، حيث توالت الفتوحات تلو الأخرى حتى سيطر العثمانيون على مساحات كبيرة فيها ونُشر الإسلام بشكل كبير فيها.

وذلك لما رأي السكان صدق الجنود والحكام فيها فكان الفتح المبين هذا بصدق وإخلاص هؤلاء وشجاعة وبسالة الثمانين المجاهدين الذين تقدموا في البداية وفتح الحصن الأول علي يديهم.