قال رجل صالح لابنه:

يا بني إني أريد أن أنصح لك فاسمع منى تغنم في الدنيا والآخرة.

 قال الابن يا أبت قل تجدني لك مصغياً.

 فقال الرجل الصالح:

( يا بني ﻻ عقل لمن ﻻ وفاء له.

 وﻻ مروة لمن ﻻ صدق له.

 وﻻ علم لمن لا رغبة له.

 وﻻ كرم لمن لا حياء له.

 وﻻ توبة لمن لا توفيق له.

 وﻻ كنز أنفع من العلم.

 وﻻ مال أربح من الحلم.

 وﻻ حسب أرفع من الأدب.

 وﻻ رفيق أزكى من العقل.

 وﻻدليل أوضح من الموت.

 وﻻ كرم أنفع من ترك المعاصي.

 وﻻ حمل أثقل من الذنوب.

 وﻻ عبادة أفضل من التفكر.

 وﻻ شر أشر من الكذب.

 وﻻ تكبر أكبر من الحمق.

 وﻻ فقر أضر من الجهل.

 وﻻ ذل أذل من الطمع.

 وﻻ عار أقبح من البخل.

 وﻻ غنى أغنى من القناعة..

يا بني من صارع الحق انهزم.

من تعرض لهتك أعراض المسلمين هتك الله عرضه.

ومن أعجب برأيه ضل.

ومن تكبر على الناس ذل.

ومن شاور لم يندم.

ومن جالس العلماء وقر.

ومن جالس السفهاء حقر.

ومن قل كلامه حمدت عاقبته.

ومن عرف بالكذب لم يُصدَّق.

ومن طاوع شهوته فضحته.

ومن لم يعرف مقادير الرجال فألحقه بالبهائم.

قال ابن القيم رحمه الله: قد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له،ولا راحة لمن لا تعب له.

وقالوا في التغافل:

من أتقن سياسة  “التغافل” أراح نفسه و أراح الناس من حوله.

عن عبد الله الخزاعي قال: سمعت عثمان بن زائدة يقول العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، قال فحدثت به أحمد بن حنبل فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل. شعب الإيمان للبيهقي.

قال الحسن البصري: ما استقصى كريم قط !

وقال الأعمش: التغافل يطفئ شراً كثيرا.

وقال سفيان: مازال التغافل من شِيَم الكرماء.

قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت،فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصمّ، فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم. انتهى. [ مدارج السالكين ج2ص344 ].

ومن هذه المواقف الجلية في أدب التغافل، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.  [ تاريخ مدينة دمشق].

التغافل معناه: تعمد الغفلة أي أنه يُرِيَ الآخر أنه غافل، مع علمه التام وإحاطته بما هو مُتغافل عنه  ترفعاً عن الدنايا وسفاسف الأمور.

لابد أن تتجاهل كثيرا مما تراه أو تسمعه وإن كنت تتألم منه، فالتجاهل والتغافل علاج نافع أحيانا كثيرة.