أساليب طمس الهوية الإسلامية

أولاً: إضعاف العقيدة، وزعزعة الإيمان:

لأن العقيدة هي خط الدفاع الأول، ومن وسائل ذلك: زرع الصراعات الفكرية التي تشوش الأفكار، وتشتت الأذهان عن طريق بعث الفلسفات المضادة للتوحيد، وإحياء التصوف الفلسفي، ونشر تراث الفرق الضالة كالباطنية والمعتزلة والرافضة، وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم والسنة المطهرة والسيرة النبوية الشريفة، وهز الثقة في السلف الصالح، والتركيز على عرض ما يناقض التوحيد بصورة تغري بالإلحاد، كنظرية (داروين)، وتاريخ الأمم الوثنية كالفراعنة وغيرهم، دون أي نقد، لا: (لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ) [ الأنعام: 55]، ولكن لننبهر ونفخر بسبيل المجرمين.

ثانياً: (تسميم الآبار المعرفية) :

التي تستقي منها الأجيال من المهد إلى اللحد , ومحاولة مسخ الهوية الإسلامية عن طريق تخريب مناهج التعليم بكافة مراحله،وهذه أخطر مؤامرة ضد الهوية في الوقت الراهن , ويسمونها بكل صراحة: (تجفيف منابع الإسلام)!! , وهي مؤامرة لا تبدأ اليوم ، ولكن منذ أكثر من قرن، ولا تبدأ من الصفر، ولكن تُستمد من معين المنطلقات التي صنعها الاستعمار والاستشراق والتبشير، ويكفي أن القس (دنلوب) تمكن في عشرين عاماً فقط من تخريب العقول والنفوس والضمائر والعواطف من خلال سياسته التعليمية، بصورة ما كانت تحلم بريطانيا بتحقيق ربعها لو جندت في سبيل ذلك مليون جندي بريطاني.

قال (كرومَر) رائدَ التغريب في مصر :

(إن الحقيقة أن الشباب المصري الذي قد دخل في طاحونة التعليم الغربي، ومر بعملية الطحن يفقد إسلاميته، وعلى الأقل أقوى عناصرها وأفضل أجزائها، إنه يتجرد عن عقيدة دينه الأساسية) أنتهى.

وقال المستشرق ” جب “: ( والسبيل الحقيق للحكم على مدى التغريب هو أن نتبين إلى أي حدًّ يجري التعليم على الأسلوب الغربي , وعلى المبادىء الغربية , وعلى التفكير الغربي … هذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره , وقد رأينا المراحل التي مر بها طبع التعليم بالطابع الغربي في العالم الإسلامي , ومدى تأثيره على تفكير الزعماء المدنيين , وقليل من الزعماء الدينيين ) انتهى.

إن التعليم الغربي اللاديني هو ” الحامض ” الذي يذيب شخصية المسلم , إنه ليس من المعقول ولا من الجائز أن تستورد أمة_ لها شخصيتها ورسالتها , ولها عقائدها ومناهج حياتها , ولها طبيعتها ونفسيتها , ولها تاريخها وماضيها , ولها محيطها الخاص وظروفها الخاصة_ نظاماً تعليمياً من الخارج , ولا أن تكل وظيفة التعليم والتربية وتنشئة الأجيال وصياغة العقول إلى أناس لايؤمنون بهذه الأسس والقواعد , ولا يتحمسون لنشرها والذبَّ عنها .

ثالثاً: تذويب الهوية الإسلامية في الثقافة الغربية:

لاعن طريق القهر كما حدث في الماضي , ولكن عن طريق اصطناع عملاء مأجورين يبيعون كل شيء إرضاءً لسادتهم , وعن طريق محو ذاكرة الأمة وارتباطها بتاريخها المجيد الذي هو خميرة المستقبل , وتمجيد كل ما هو غربي , وتحقير كل ما هو إسلامي , ومزاحمة رموز الإسلام برموز ضلالات التنوير والحداثة والعصرانية , وعرض أنماط الحياة الاجتماعية في الغرب بكل مباذلها وسوءاتها بصورة جذابة ومغرية.

قال المستشرق شاتليه: ” إذا أردتم أن تغزوا الإسلام , وتخضدوا شوكته , وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة لها , والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم , وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم , عليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المُسلم والأمة الإسلامية , بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وكتابهم القرآن , وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم , ونشر روح الإباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي , وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء لكفانا ذلك , لأن الشجرة يجب أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها ” انتهى .

رابعاً: تجهيل العلم :

بحيث يفقد صلته بالخالق سبحانه ودلالته على توحيده , فإن العلم أقوى مؤيد لدعوة الفطرة والتوحيد , بما يكشف عنه من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس , وفي سبيل ذلك يعمدون إلى تجاهل ذكر الله عز وجل , ونسبة الآيات الكونية إلى الطبيعة , ومحاولة عزو أحداث الكون إلى الظواهر الطبيعية دون ربطها بمشيئة الله وقدرته عز وجل .

خامساً: السيطرة العالمانية :

على كراسي الجامعات , وتطعيم مناهجهاالدراسية وكذا دوائر المعارف وكتب التاريخ بمفاهيم تدور في فلك الغرب , وتعادي وتشوه الهوية الإسلامية .

سادساً : التآمر على اللغة العربية :

شدة ارتباطها بالقرآن والإسلام، وأثرها في وحدة الأمة، وذلك عن طريق تشجيع اللهجات العامية، والمطالبة بكتابتها بالحروف اللاتينية، وتشجيع اللغات الأجنبية على حساب لغة القرآن الكريم، وتطعيم القواميس العربية بمفاهيم منحرفة كقاموس (المنجد)، والطعن في كفاءة اللغة العربية وقدرتها على مواكبة التطور العلمي.

وإذا كانت (الثقافة) هي مجموع القيم التي ارتضتها الجماعة لنفسها، لتميزها عن غيرها من الجماعات، فإن اللغة هي وعاء الثقافة، ومظهرها الخارجي الذي يميزها.

إن لغتنا ليست لغة قومية، لكنها لغة دينية تجمع حولها المسلمين جميعاً عرباً وعجماً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: (اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) اهـ.

وقال المرتضي: (من أبغض اللسان العربي أدّاه بغضه إلى بغض القرآن وسنة الرسول لله، وذلك كفر صراح، وهو الشقاء الباقي، نسأل الله العفو) اهـ.

إن للغة دوراً خطيراً في توحيد الأمة، وهاك مثالين يوضحان ذلك :

الأول: (إيرلندا) التي رزحت تحت الاحتلال الإنكليزي منذ أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وذاقت منه الويلات، خصوصاً على يد (كرومويل) الذي أعمل السيف في رقاب الإيرلنديين، وشحن عشرين ألفاً من شبابهم وباعهم عبيداً في (أمريكا)، ونفى أربعين ألفاً خارج البلاد، وتمكن من طمس هويتهم بمحو لغتهم الإيرلندية، وتذويبهم في المجتمع البريطاني.

ولما حاول بعض الإيرلنديين الوطنيين بعث أمتهم من جديد أدركوا أن هذا لا يتم ما دامت لغتهم هي (الإنكليزية)، وما دام شعبهم يجهل لغته التي تميز هويته، وتحقق وحدته.

وأسعفهم القدر بمعلّم يتقن لغة الآباء والأجداد؛ دفعه شعوره بواجبه إلى وضع الكتب التي تقرب اللغة الإيرلندية إلى مواطنيه، فهبوا يساعدونه في مهمته حتى انبعثت من رقادها، وشاعت، وصارت (النواة) التي تجمع حولها الشعب، فنال استقلاله، واستعاد هويته، وكافأ الشعب ذلك المعلم بانتخابه أول رئيس لجمهورية (إيرلندا) المستقلة ـ هو الرئيس (ديفاليرا).

الثاني: (ألمانيا) التي كانت مقاطعات متفرقة متنابذة، إلى أن هبّ (هَرْدِر) الأديب الألماني الشهير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ينادي بأن (اللغة) هي الأساس الذي يوحّد الشعوب، والنواة التي تؤلف بينها، فانطلق الأدباء يعكفون على تراثهم القديم أيام كانوا أمة واحدة، وقاموا بإنعاش تراثهم الأدبي، ونسجوا حوله قصصاً وبطولات خلبت ألباب الشباب، وتغنوا بجمال بلادهم، وأمجاد أسلافهم، فتجمعت عواطفهم على حب الوطن الكبير، وتطلعت نفوسهم إلى الانضواء تحت لواء (هوية ألمانية) واحدة، الأمر الذي مهّد الطريق أمام (بسمارك) لتعبئة الشعور القومي، وتوحيد ألمانيا، وإقامة (الإمبراطورية الألمانية) التي كان (بسمارك) أول رئيس وزارة (مستشار) لها.

إذا علمت هذا فأسمع وتعجب من المستشرق الألماني ” كاممفاير ” وهو يقول في شماتة:

” إن تركيا منذ حين لم تعد بلداً إسلامياً , فالدين لا يُدرس في مدارسها , وليس مسموحاً بتدريس اللغتين العربية والفارسية في المدارس , وإن قراءة القرآن العربي وكتب الشريعة الإسلامية قد أصبحت الآن مستحيلة بعد استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية ” أنتهى.

سابعاً: الاهتمام المبالغ فيه بإحياء الأساطير الوثنية والخرافات الشركية:

والتنقيب عن الحفريات والآثار الوثنية التي تبرز الهوية الفرعونية أو الفينيقية أو الفارسية أو الكلدانية , وتسليط الضوء عليها لردها إلى الحياة , وربطها بالحاضر, بصورة تزاحم بل تتعارض مع الانتماء الإسلامي لأن هذا التراث مهما يكن , فإن الإسلام يَجُبُّ ما قبله , وإذا كان دين الحق قد نسخ كل دين قبله ولو كان أصله سماوياً فكيف لاينسخ الأديان الوثنية ؟

إن أعتناق أي أمة للإسلام يشكل فاصلاً عقيدياً وحاجزاً فكرياً بين ماضي وثني , وبين حاضر ومستقبل مشرق بنور الفطرة والتوحيد , وهذه الهويات قضى عليها الإسلام حين صهرها في بوتقة الوحدة الإسلامية , وما أكثر ما تُسخَّر هذه الآثار في دعم النعرات الإقليمية لكل قطر , واستعلائه بآثاره ” وأحجاره ” الخاصة , وفي ذلك أعظم الخطر على الهوية الإسلامية .

ويقول المستشرق ” جب ” في كتابه (وجهة الإسلام):

” وقد كان من أهم مظاهر فرنجة العالم الإسلامي : تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن , فمثل هذا الاهتمام موجود في تركيا وفي مصر وفي أندونيسيا , وفي العراق وفي إيران وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العداء لأوروبا , ولكن من الممكن أن يلعب في المستقبل دوراً في تقوية الوطنية الشعوبية وتدعيم مقوماتها “انتهى(ص342).

ثامناً: طمس المعالم التاريخية، والحفريات التي تصحح تاريخ العقيدة.

وتكشف أن التوحيد هو الأصل وأن الشرك طرأ عليه، وكذا الوثائق التي تثبت التحريف في كتب أهل الكتاب، والتي تدعم الإسلام وتؤيده.

ويجدر بالذكر هنا أن نشير إلى مؤامرة تزييف تزييف تاريخ (الإبراهيمية الحنيفية) التي هي جذر الإسلام، وذلك عن طريق نشر فكرة (السامية) التي تركز على القول، بأن هناك أصلاً واحداً مشتركاً بين العرب واليهود، هو (سام بن نوح)، في حين أن القصد الحقيقي من ورائها هو التعمية على انتساب العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السـلام ـ وعزو تاريخ إسماعيل وذريته إلى مصدر غامض ليس له سند علمي , وبالتالي صرف الأنظار عن هويتنا الحقيقية التي هي ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ التي أولاها القرآن الكريم أعظم الاهتمام ونسبنا إليها، وحثّنا على اتباعها وبرّأ ـ إبراهيم عليه السلام ـ من كونه يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً.

تاسعاً: محاولة تفسير التاريخ الإسلامي تفسيراً قومياً عربياً.

كما يفعل البعثيون الذين يريدون أن يبتلعوا الإسلام في بطن قوميتهم حين يزعمون أن الإسلام مرحلة في تاريخ العروبة , أو محاولة تصوير التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ صراع بين الطبقات ” على الطريقة الماركيسية ” , أو أنه تاريخ صراع وناورات بين الأمراء والخلفاء والملوك .

إن الهدف من ذلك كله واضح , وهو الحيلولة بين الأمة المسلمة وبين أتخاذ تاريخها الحقيقي منطلقاً للنهوض من كبوتها , وإن المنهج الصحيح المثمر في فهم التاريخ البشري هو النظر إليه على أنه تاريخ دين سماوي واحد هو الإسلام , من لدن آدم عليه السلام إلى محمد r , وهو تاريخ الرسالات السماوية المتعددة الداعية إلى دين سماوي واحد هو الإسلام بمعناه العام .

عاشراً: طمس المعالم التاريخية التي تؤكد الانتماء الإسلامي.

كما فعل النصارى في الفردوس المفقود: (الأندلس)، وكما فعل (أتاتورك) في تركيا؛ حينما حوّل مسجد (أيا صوفيا) إلى مُتْحَفٍ وبيت للأوثان، وطمس منه آيات القرآن والأحاديث، وأعاد كشف ما كان الفاتحون قد طمسوه من الصور التي زعمها النصارى للملائكة، وكذا صور من يسمونهم القديسين، والصلبان، والنقوش النصرانية.

وكما فعلت الوحوش الصربية في البوسنة، حيث كانت تختار ـ بعناية ـ المواريث الرمزية والتاريخية الإسلامية , ثم يتم قصفها وتدمرها، لتجريد الذاكرة الجماعية لشعب البوسنة من رموز الهوية الإسلامية ومعالم حضارتها.

وكما يفعل اليهود ـ لعنهم الله ـ في القدس وغيرها من مناطق فلسطين السليبة.

حادي عشر: النشاط التنصيري الذي يستغل الفقر والمرض .

كما حدث ويحدث في إندونيسيا ، وكما كان يحدث في المدارس الأجنبية، من دعوة صريحة للتنصر، وإن كان تم تطوير أساليبهم الآن بحيث تكتفي بقطع صلة التلاميذ بالإسلام، وتذويب هويتهم الإسلامية وصبغهم بصبغة غربية، تمهيداً لاعتلائهم مراكز التأثير في المجتمع في المستقبل، وقد قال عميد المبشرين يوماً: (المبشر الأول هو المدرسة).

ثاني عشر: استلاب الهوية الإسلامية وتشتيتها .

عن طريق ضربها بهويات أخرى قومية أو وطنية، وكذلك تشجيع النعرات الطائفية والقبلية الاستقلالية، لتسخيرها لتكون عوامل إثارة وقلقلة لضرب وحدة المجتمع المسلم، وإثارة البلابل والفتن.

ثالث عشر: الترويج لدعوة ” العولمة ” .

أي: توحيد الثقافة العالمية , وهو قناع تختفي تحته فكرة ” تسويد ” الثقافة الغربية , التي كان يُعَبَّر عنها في عهد الاستعمار ب(رسالة الرجل الأبيض إلى العالم الملون ) وتهدف (العالمية) إلى تذويب هوية الأمم , وتبخير مُثُلِها العليا , وصهرها في أتونها , ودمج الفكر الإسلامي واحتوائه في قيم تخالف الإسلام .

رابع عشر: التغريب.

الذي استمر سمة ثقافية بارزة حتى بعد أن اضطر الغرب إلى تقويض خيامه ثم الرحيل عن بلاد المسلمين , لكن الذي حدث أنه لم يرحل إلا بعد أن أقام وكلاءه حراساً على مصالحه ومقاصده , لقد رحل الإنكليز الحمر , وحل محلهم الإنكليز السمر , وبعبارة ” شاهدٍ من أهلها ” وهو صاحب كتاب ” تغريب العالم ” : ” لقد أنتقل البيض إلى الكواليس , لكنهم لا يزالون مخرجي العرض المسرحي “.

خامس عشر: استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها:

بدعاوى “تحرير المرأة “ومساواتها بالرجل، والترويج لفكرة (القومية النسائية) التي تربط المسلمة باليهودية، والنصرانية، وعابدة الأبقار والأوثان، والملحدة، كأن قضيتهن واحدة! ومعتقداتهن واحدة! ومطالبهن واحدة! ومعركتهن ضد (الرجل) واحدة .

سادس عشر: إشغال المسلمين بالترفيه والشهوات .

ودفع المجتمع إلى السطحية في النظر إلى الحقائق، وذلك بزيادة معدلات تعرضه للإعلام الترفيهي، مع تقليل الزمن المتاح للتأمل والتفكر والتدبر في الأحداث اليومية ، وذلك بتوظيف وسائل الترفيه كآلات الجراحة النفسية المطلوبة لاستبدال الهوية أو مسخها .

سابع عشر: استغلال العامل الاقتصادي في تذويب الهوية .

إن ” العطاء ” لابد له من مقابل , وغالباً ما يكون هذا المقابل هو إضعاف العقيدة والتنازل عن الهوية .

ثامن عشر: الحرب النفسية المدعمة بالأساليب التعسفية .

لقمع وإنهاك الدعاة إلى الهوية الإسلامية، وتنحيتهم عن مواقع التأثير الإعلامي والتربوي، وتسليط الحملات التي تصفهم بالتطرف والإرهاب والأصولية، مع تركهم مكشوفين في العراء، عرضة لانتقاد وسخرية أعداء الهوية الإسلامية , لكيلا يشكل الدين أي مرجعية معتبرة للأمة , ومثال ذلك القمع البربري المتوحش , ومحاولة إطفاء نور الإسلام في بعض البلاد الإسلامية .

تاسع عشر: تقسيم الدين إلى قشر ولُب .

وإلى شكليات وجواهر , وهي دعوة ظاهرها الرحمة , وباطنها العذاب , ولذا انخدع بها بعض السذج الذين ابتلعوا الطُعم , فاستحسنوا , وصاروا يرجون له , دون أن يدركوا أنه قناع نفاقي قبيح، وأنها من لحن قـول العلمانيين الذين يتخذونهـا قنطـرة يهربون عليها من الالتزام بشرائع الإسلام دون أن يُخدَش انتماؤهم إليه , نعم تتوقف عند حَسَني النية من المسلمين المخلصين عند نبذ ما أسموه: (قشراً) للتركيز على ما دعوه: (لبّا)، ولكنها عند المنافقين الحريصين على اقتلاع شجرة الإسلام من جذورها , مجرد مدخل لنبذ اللّب والقشر معاً، تماماً كما يرفعون شعار الاهتمام بـ (روح النصوص) وعدم الجمود عند منطوقها , ومع أن هذا كلام طيب إذا تعاطاه العلماء وطبقه الأسوياء؛ إلا أنه خطير إذا تبناه أصحاب العاهات الفكرية والنفسية والمشوهون عقدياً؛ إذ يكون مقصودهم حينئذ هو إزهاق روح النص بل اطّـراح منطوقه ومفهومه، أو توظيفه بعد تحريفه عن مواضعه لخدمة أهدافهم الخبيثة.

إنهم يريدونه ديناً ممسوخاً كدين الكنيسة العاجزة المعزولة عن الحياة , يسمح لأتباعه بكل شيء مقابل أن يسمحوا له بالبقاء على هامش الحياة , محبوساً في الأقفاص الصدرية , لا يترك أي بصمة على واقع الناس ومجتماعاتهم .

ولقد لفتنا سلفنا الصالح إلى أهمية التمايز الحضاري بالمحافظة على (قشرة) معينة تفترق بها أمتنا عن سائر الأمم، وهذه القشرة التي تحمي الهوية الإسلامية المتميزة هي ما أسماه علماؤنا رحمهم الله بـ: (الهدي الظاهر)، وأفاضوا في بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتميعها , فما يشيع على ألسنة الناس من أن ” العبرة بالجوهر لا بالمظهر ” ينطويعلى مغالطة جسيمة , وخداع كاذب , لأن كلاً من المظهر والجوهر لاينفك عن الآخر , والظواهر هي المعبرة عن المضامين , وهي الشعارات التي تحافظ على الشخصية , إنها قضية ” مبدإ ” وليست مجرد شكل ومظهر , فنحن كما نخاطب الكافرين : {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (6) سورة الكافرون , نقول لهم أيضاً : ( لكم قشركم , ولنا قِشرَتِنَا ) .

ونحن بشر مأنوسون ولسنا أرواحاً لطيفة فحسب , ولا أطيافاً عابرة , ومقتضى ذلك أن لنا مظهراً مادياً محسوساً , وهذا المظهر شديد الارتباط بالجوهر , وقد جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة الإسلامية في مظهرها عمَّن عداها من الأمم مقصداً أساسياً لها , بل إن كل أهل ملة ودين يحرصون على مظهرهم باعتباره معبراً عن خصائص هُويتهم , وآية ذلك: أنك ترى أتباع العقائد والديانات يجتهدون في التميز والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم، وتترجم عن أفكارهم، وترمز إلى عقيدتهم:

وهذا أوضح ما يكون في عامة اليهود الذين يتميزون بصرامة بطاقيتهم، ولحاهم، وأزيائهم الدينية , وفي المتدينين من النصارى الذين يعلقون الصليب، وفي السيخ والبوذيين وغيرهم.

أليس هذا كله تميزاً صادراً عن عقيدة ومعبراً عن الاعتزاز بالهوية؟!

وإذا كانت هــــذه المظاهر هي صبغة الشيطان التي كسابها أهل الضلال والكفران , فكيف لا نتمسك نحن بصبغة الرحمن التي حبانا الله ـ عـز وجـل ـ ((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أََحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)) [البقرة: 138].

لماذا تقدس الحرية الدينية لـكـل مــن هــب ودب، وفـي نـفــس الوقت تشن (الحروب الاستراتيجية) على المظاهر الإسلامية كاللحية والحجاب، حتى إنـه لتعقد من أجلها برلمانات، وتصدر قرارات، وتثور أزمات، وتجيّش الجيوش، وترابط القوات، هذا ونحن أصحاب الدار :

كـل دارٍ أحـق بالأهـل إلا في رديء مــن المذاهب رجس

أحـرام علـى بلابلـه الـدوح حلال للطيـر من كل جنـس

أفكل هذا من أجل ما أسموه (قشوراً) لا! بل هم يدركون ما لهذه المظاهر من دلالة حضارية عميقة، ويدركون أنها رمز يتحدى محاولات التذويب والتمييع، ويصفع مؤامرة استلاب الهوية كمقدمة للإذلال والاستعباد.

إن من يتخلى عن (القشرة الإسلامية) سيتغطى ولا بــد بقـشــرة دخيلة مغايرة لها، فلا بد لكل (لب) من (قشر) يصونه ويحـمــيــه، والـســـــؤال الآن: لماذا يرفضون (قشرة الإسلام) ويرحبون بقشرة غـيـره؟ فـيـأكلـون بالشمال، ويحلقون اللحى، ويُلبسون النساءَ أزياء من لا خلاق لهن، ويلبسون القبعة، ويدخنون (البايب) و (السيجار)؟!

إن تقـسـيـم الـديـن إلى قشر ولب غير مستساغ، بل هو محدَث ودخيل على الفهم الصحيح للكتاب والسنة، ولم يعرفه سلفنا الصالح الذين كل الخير في اتباعهم واقتفاء آثارهم {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } (23) سورة النجم , وهذه القسمة إلى قشر ولُب , ظاهر وباطن _ يتبعها المناداة بإهمال الظاهر احتجاجاً بصلاح الباطن _ تلقى رواجاً عند المستهترين والمخدوعين , حينما يرون القوم يسمون المعاصي بغير اسمها .

وقسمة الدين إلى قشر ولب تؤثر في قلوب العوام أسوأ تأثير , وتورثهم الاستخفاف بالأحكام الظاهرة , وينتج عنها الإخلال بهذه الأمور التي سُميت قشوراً , فلا تلفت قلوبهم إليها , فتخلو من أضعف الإيمان ألا وهو الإنكار القلبي الذي هو فرض عين على كل مسلم تجاه المنكرات.

والتفريط في مُحَقَّرات الأعمال يؤدي إلى التفريط في عظائمها , لأن استمرار هذا التفريط يتحول مع الزمن إلى عادة تنتهي بصاحبها إلى قلة الاكتراث بأمور دينية , والتهاون بها .

ونحن إذا تسامحنا معهم في هذه القسمة إلى قشر ولُب , فإننا نلفت أنظارهم إلى أ، قياس أمور الدين على الثمار من حيث إن لكل منها قشراً ولُباً , وظاهراً وباطناً , لا يعني أن القشرة التي أوجدها الله للثمرة خُلِقت عبثاً , حاشاً وكلاَّ , بل لحكمة عظيمة وهي المحافظة على ما دونها وهو اللُب نفسه , وهذا يَحْمِلُنا على أن لا نستهين بالقشرة من حيث كونُه حارساً أميناً على اللُب , وهكذا الشأن في أمور الدين الظاهرة .