التــكافــل
الافتتاحية: سورة الحشر(الآيات:9 -10):

قال تعالي: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ صدق الله العظيم.

يقول صاحب الظلال رحمه الله:

“لم يعرف تاريخ البشرية كله حادثاً جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحُب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء؛ حتى ليُروي أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة ﴿ولا يجدون في صُدورهم حاجة مما أوتوا﴾ مما يناله المهاجرون من مقام مُفضل في بعض المواضع, ومن مال يختصون به كهذا الفيء, فلا يجدون في أنفسهم شيئاً من هذا ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عُليا، وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيراً. وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديماً وحديثاً﴿ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ فهذا الشُح هو المعوق عن كل خير. لأن الخير بذل في صورة من الصور.

بذل في المال. وبذل في العاطفة. وبذل في الجهد. وبذل في الحياة عند الاقتضاء.

وما يمكن أن يصنع الخير شحيح يهم دائما أن يأخذ ولا يهم مرة أن يعطي. ومن يوق شح نفسه, فقد وقي هذا المعوق عن الخير, فانطلق إليه معطيا باذلا كريما وهذا هو الفلاح في حقيقة معناه .

والآيات تبرز صُورة أخرى: تبرز أهم ملامح التابعين كما أبرزت صفات وملامح الصحابة الأجلاء، و كما تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان -هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار ولم يكونوا قد جاءوا بعد عند نزول الآية في المدينة – إنما كانوا قد جاءوا في علم الله وفي الحقيقة القائمة في هذا العلم المطلق من حدود الزمان والمكان. سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة, لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوا بالإيمان; وفي طلب براءة القلب من الغل للذين آمنوا على وجه الإطلاق, ممن يربطهم معهم رباط الإيمان مع الشعور برأفة الله, ورحمته , ودعائه بهذه الرحمة, وتلك الرأفة ﴿ربنا إنك رؤوف رحيم﴾.

وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود. تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها, وآخرها بأولها, في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف. وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب; وتتفرد وحدها في القلوب, تُحرك المشاعر خلال القرون الطويلة, فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة, كما يذكر أخاه الحي أو أشد في إعزاز وكرامة وحب. ويَحسب السلف حساب الخلف، ويمضي الخلف على آثار السلف صفا واحدا وكتيبة واحدة على مدار الزمان واختلاف الأوطان تحت راية الله تغذ السير صعدا إلى الأفق الكريم, متطلعة إلى ربها الواحد الرؤوف الرحيم. صورة تمثل الأجيال من وراء الزمان والمكان والجنس والوطن والعشيرة والنسب متضامنة مترابطة متكافلة متوادة متعارفة صاعدة في طريقها إلى الله, بريئة الصدور من الغل, طاهرة القلوب من الحقد”(في ظلال القرآن).

من الدروس المستفادة:

(1) التكافل مظهر من مظاهر وحدة الأمة وتماسكها، ووسيلة لقوة المجتمع ومنعته.
(2) الإيثار أعلي مراتب الأخوة كما قال الإمام البنا في ركن الأخوة، والشح عقبة كؤود أمام المكرمات.
(3) الإيمان هو الذي صنع هذا النموذج الفذ من التكافل بين قوم أكلتهم الثارات والحروب، وهو قادر علي صنع هذا النموذج علي الدوام.
(4) …………………………………………..أذكر دروساً أخري.

مفهــوم التـكافــل:

“هو شعور الجميع بمسئوليه بعضهم عن بعض، وهو لازم من لوازم الأخوة”(الشيخ شلتوت، بتصرف) وهو “صفة شاملة لصور كثيرة من التعاون والتآزر وتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة والمشاركة في سد الثغرات”(السيد القلعاوي، بتصرف) والتكافل منه المعنوي ومنه المادي ومنه ما يجمع بينهما.
من صور التكافل:

(1) التكافــل المعنــوى:

يقول الله تعالي: ﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُوْن إخْوَة﴾ (الحجرات: 10) وفي هذه الآية يقول الدكتور مصطفي السباعي: “يقرر القرآن وهو يتحدث عن المؤمنين أن بينهم تكافلاً وتضامنًا في المشاعر والأحاسيس، وفي المطالب والحاجات، وفي المنازل والكرامات، وذلك لأن إعلان الإخاء بين أفراد مجتمع ما هو تقرير للتكافل بهذا المعنى الشامل الذي يعبر عن وحدة الأمة أصدق تعبير، ويؤكد أنها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”. يقول صاحب الظلال رحمه الله: “إن بين المسلم وأخيه تكافلاً معنويًا يتمثل في المحبة والوئام؛ فلا بغضاء ولا شحناء، ولا كراهية، ولكن محبة صادقة ومودة حميمة وعطف كريم تعكس معاني الأخوة التي تفرض على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه حتى يصح إيمانه ويسلم يقينه، كذلك يتمثل هذا اللون من التكافل في مواقف متعددة منها التهنئة في السراء والمواساة في الضراء، والتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي عند الحاجة والمعاونة عند الشدة، والعفو والصفح والتجاوز عن العثرات واللمم، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(آل عمران: 133، 134) ومن صور التكافل المعنوي ما يلي:

 التفقد والسؤال: ورد أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه لما نزل قوله تعالي: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون﴾الحجرات: آية 2) قال: أنا الذي كنت أرفع صوتي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، حبط عملي وأنا من أهل النار، وجلس في أهله حزيناً، فتفقده رسول الله صلي الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلي الله عليه وسلم. مالك؟ وأخبروه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا بل هو من أهل الجنة”(رواه أحمد).

 الدعاء بظاهر الغيب: عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏”دعاء الأخ لأخيه بظاهر الغيب لا يرد‏.‏ رواه البزار‏، وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ ‏”‏إذا دعا المرء لأخيه بظاهر الغيب قالت الملائكة‏:‏ آمين ولك بمثله‏”‏‏.(رواه البزار ورجاله ثقات)‏.وفي رواية: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظاهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل”. أما قوله صلى الله عليه وسلم: ” بظاهر الغيب”‏‏ فمعناه: في غيبة المدعو له، وفي سره; لأنه أبلغ في الإخلاص.

 إسداء النصيحة: روى مسلمٌ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ, قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ, وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ, وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ, وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشمِّتْهُ, وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ, وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعه”(أخرجه البخاري ومسلم) فالتناصح من التكافل.

 الاعانة على التكاليف الشرعية والدعوية: يقول تعالي: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾ (التوبة: 71). روى الطبراني في الكبير عن علقمة عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً ثم قال: “ما بال أقوام لا يفُقِّهونَ جيرانهم ولا يعلمونهم، ولا يعظونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون، والله ليعلمنّ قوم جيرانهم، ويفقهونهم، ويعظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، وليتعلمنّ قوم من جيرانهم، ويتفقهون، ويتعظون، أو لأعاجلنّهم العقوبة”.

(2) التكافـــل المــــادى:

يقول الله تعالي: ﴿وَأَنْفِقُوْا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِيْنَ فِيْه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير﴾(الحديد:7) ويقول: ﴿وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون﴾ (البقرة، آية272) وقد أثنى رسول الله صلي الله عليه وسلم على الأشعريين لتحقيقهم معني التكافل المادي في أروع صوره؛ فقد روي الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:” إن الأشعريين إذا أرملوا أي إذا قارب زادهم على النفاد في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم” ومن صور التكافل المادي ما يلي:

 كفالة اليتيم: وخاصة أبناء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فدء لدينهم وحرية أوطانهم، ولهم علي المجتمع كله حق الرعاية وفاء للشهيد وقياماً بالواجب، ونصرة للحق، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين” وأشار بأصبعيه السبابة و الوسطي.

 رعاية المتعلمين: ذهب الإمام أحمد رحمه الله في تفسير قوله تعالي: ﴿وفي سبيل الله﴾ (التوبة: 60) التي تتناول المصرف السابع من مصارف الزكاة الثمانية إلي أن المقصود بذلك: “المجاهدون في سبيل الله الغازون وجعل طلاب العلم بمثابة الغازين المجاهدين في سبيل الله وأنهم يستحقون سهماً من الزكاة حتي ولو كانوا أغنياء”. وقد نص المالكية علي أن المشتغلين بتعلم فروض الكفاية الذين يتحملون فروض الكفاية نيابة عن الأمة فهم لذلك يستحقون الارتزاق من بيت مال المسلمين إذا كان بيت المال منتظماً؛ فإن لم يكن للمسلمين بيت مال كان لهم حق في أموال الناس.

 السعي في قضاء الحوائج: قطع ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم لقضاء حاجة مسلم ولما سئل في ذلك قال: “سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من مشي في حاجة أخيه قضيت أم لم تقض أحب إلي من أن يعتكف في مسجدي هذا شهراً”.

(3) ما يجمع بين التكافل المعنوي و المادي: ومن صوره ما يلي:

 التهادي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “تَهَادُوْا تَحَابُّوا”(رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ). فالهدية مهما كانت يسيرة تحمل معني الاهتمام والتقدير الذي يحتاجه الناس جميعاً وهى لا شك تترك أثراً طيباً في النفس، وتقوي روابط الأخوة وتزيد الحب وتزيل الجفوة.

 التزاور: عن أنس رضي الله عنه قال :قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:” ما مِن عبدٍ أتى أخًا له يَزورُه في الله إلا نادى منادٍ مِن السماء: أن طبتَ، وطابتْ لكَ الجنة، وإلا قال اللهُ في ملكوتِ عرشِه: عبدى زارَ فيَّ، وعليَّ قِراه، فلَمْ أرْضَ له بِقِرًى دُون الجنة”(السلسلة الصحيحة).

 توفير فرصة عمل مناسبة: لمن فقدوا وظائفهم بسبب الانقلاب؛ لما في ذلك من توفير مصدر جديد للدخل، وتحقيق الاستغناء عن الاستدانة أو الإعانة. وقد عمل المهاجرون بالزراعة في أراضي الأنصار بالمدينة، رغم أنهم أهل تجارة ولم يكن لهم عهد بالزراعة.

 توفير ملاذ آمن للمطاردين: لما في ذلك من توفير النفقات من ناحية، وتزكية الشعور بالجماعة وقوة الارتباط من ناحية أخري، واستثمار الحاضنة المجتمعية في ذلك، وفي سلفنا أسوة؛ فعندما فقد المهاجرون بيوتهم وفر الأنصار الملاذ الآمن والسكن لهم، ولم ينزل مهاجر علي أنصاري إلا بقرعة.

 توفير سكن مناسب لجمع شمل المطارد مع أسرته: وذلك لإفشال مخطط الانقلابيين؛ فهم ينفذون تقرير زكريا محيي الدين وشمس بدران الذي وافق عليه عبدالناصر وفيه: “بالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا في أي عهد من العهود يعتبرون جميعاً قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان في الجسم ولا يرجى شفاؤه، ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتي: المرحلة الأولى: إدخالهم في سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم، وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودوري حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا، وفى نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعي بل يكون ملازماً للتأديب الفردي، وهذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى بالنسبة للمعتقلين إلى اهتزاز الأفكار في عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم، وبالنسبة لنسائهم سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى لانزلاقهن، وبالنسبة للأولاد تضطر العائلات لغياب العائل ولحاجتها المادية إلى توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن في نفوسهم أي حقد أو أثر من آثار أفكار آبائهم”(محمد الغزالي، قذائف الحق).

 زواج التكافل والمواساة: كان زواجه صلي الله عليه وسلم من السيدة حفصة بنت عمر زواج تكافل وبر ومواساة، فهي أرملة الصحابي الشهيد خنيس بن حذافة السهمي الذي استشهد بعد أيام من غزوة أحد متأثراً بإصابته فيها(ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج2) “وكان في هذه الزيجة تكريم للزوج الشهيد خنيس رضي الله عنه برعاية أرملته من بعده”(الإمام الذهبي، السيرة النبوية).

وكان زواجه صلي الله عليه وسلم أيضاً من السيدة زينب بنت خزيمة الملقّبة بأم المساكين رضي الله عنها زواج تكافل وبر ومواساة؛ فهي أرملة ابن عمه الصحابي الشهيد عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه الذي استشهد يوم بدر وتركها بلا عائل، وكذلك كان زواجه صلي الله عليه وسلم من السيدة أم سلمة رضي الله عنها زواج تكافل وبر ومواساة؛ فهي أرملة الصحابي الشهيد أبو سلمة الذي استشهد متأثراً بجراحه في غزوة أحد بعد الغزوة بشهرين، وترك وراءه أم سلمة وعدداً من الأطفال اليتامى، فلما انقضت عدتها أرسل إليها النبي صلي الله عليه وسلم يخطبها، فاعتذرت بكبر سنها، وكثرة عيالها، و شدة غيرتها، فأجابها صلي الله عليه وسلم بقوله: “أما ما ذكرت من غيرتك فيذهبها الله، وأما ما ذكرت من سنّك فأنا أكبر منك سنّا، وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله”(ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج8).

وقد كان زواجه صلي الله عليه وسلم من السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها كذلك زواج تكافل وبر ومواساة؛ فقد كانت متزوجة في الجاهلية من ابن عمها السكران بن عمرو، وأسلما وهاجرا معاً في هجرة الحبشة الثانية، ثم قدما من الحبشة، ومات عنها السكران بمكة، فلما انقضت عدتها خطبها صلي الله عليه وسلم وتزوّجها وهاجرت معه إلى المدينة (ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج8)

وكذلك كان زواجه صلي الله عليه وسلم من السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها زواج تكافل وبر ومواساة؛ فقد مات عنها زوجها عُبيد الله بن جحش في الغربة في أرض الحبشة؛ فبقيت وحيدة غريبة بلا عائل، ولم تستطع العودة إلي أبويها فقد كانا علي شركهما حينذاك، فأرسل الرسول صلي الله عليه وسلم إلي النجاشي فخطبها وتزوجها مواساة لها وبراً بزوجها الصحابي المهاجر الذي مات في الغربة،

وهكذا كانت دوافع هذه الزيجات كلها دوافع إنسانية بحتة. وقد خلفت مجازر الانقلاب الدموي الكثير من الأرامل أغلبهن في مقتبل حياتهن الزوجية؛ وذلك لكون الشهداء أغلبهم من الشباب، وهذه الأسر في أمس الحاجة لتطبيق سنة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في زواج التكافل والبر والمواساة الذي يجمع بين الكفالة المادية والمعنوية، فيا أصحاب شعار “الرسول قدوتنا” ها هي سيرة الرسول الكريم في هذا الجانب الإنساني بين أيديكم فماذا أنتم فاعلون؟.

واجب عملي: حدد لنفسك بعض صور التكافل التي يمكنك القيام بها وابدأ في تنفيذها وحاسب نفسك عليها.