وبالإمكان إقامة الحجة على ضرورة دراسة كل مادة مما ذكرناه من أجل وجود الرباني الكامل، ولقد قال الله عز وجل {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران: 79]. فقد أطلق كلمة الدراسة لأن ما يحتاجه الرباني من دراسات يتجدد ولا يتقيد، فكل قرن له جديده، وكل بيئة لها احتياجاتها ومن خلال استقراء شامل وصلت إلى هذه النتيجة التي ذكرتها. ولعل أهل العلم وخريجي المعاهد والكليات الشرعية هم المؤهلون أكثر من غيرهم لينتدبوا أنفسهم لاستكمال ما ذكرناه في العلم والذكر ويأخذوا على عاتقهم نقل المسلمين والمسلمات إلى أجواء الربانية. فلقد شهد عصرنا مؤسسات علمية كثيرة، ولكنه لم يشهد إلا قليلاً تلك المحاولات التي تعمم علوم الثقافة الإسلامية على العامة. ولعله من خلال هذا العرض لشروط وجود الربانية المعاصرة يدرك القارئ ضرورة ما ذهبنا إليه من أنه ينبغي أن يتمحض لهذا العمل ويتفرغ له أهله وبذلك وبتوافر هذه الشروط المذكورة وبوجود المؤسسات التي تخدم في ذلك تقوم بإذن الله الربانية المعاصرة.

وكما نستهدف وجود الرباني ذي الثقافة المتكاملة، فإنه ينبغي أن نستهدف وجود الرباني المختص. فينبغي أن يوجد من بين هؤلاء الربانيين أصحاب الاختصاص في أمهات الدراسات الإسلامية، كأن ينتدب من  هؤلاء الربانيين أناسٌ لتغطية الاختصاصات المختلفة في شتى المعارف الإسلامية  .

كما ينبغي أن يوجد من بين الربانيين اختصاصيون بفروض كفائية يحتاجها مستقبل الإسلام والمسلمين.

إنه بالعلم يحيا الإسلام ويستمر، وبالعلم يحفظ الإنسان من الفتن وخاصة في زمن مثل زماننا، وبالعلم يكون قبول الإسلام، وبنشر العلم والجهر به تكون الحياة:   قال عمر بن عبد العزيز: “فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً”.

وقال “إذا رأيت قوماً ينتجون بأمر (أي يتسارون) دون عامتهم فهم على تأسيس الضلالة” أخرجه الدارمي، وأخرج الدارمي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً إلا من أحياه الله بالعلم”. فإذا ما سألت عن الأخلاق العامة للربانيين ما هي؟ أقول: هي أخلاقية الربا نيين وأخلاقية حزب الله قال تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين} [آل عمران: 146-148]. فقد فسرت الربية بتفسيرات كثيرة منها ما ذكره ابن كثير عن الحسن: “ربيون كثير أي علماء كثير وعنه أيضاً علماء صبر أي أبرار أتقياء”. وأما أخلاقية حزب الله فمحددة في آيات الردة {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة: 54-56].

فالرباني يكون عالما مختصا في علم  من علوم  الشريعة أو علما من علوم الكفاية  ملماً بعلوم الشريعة قال تعالى{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44]تحدث القرآن الكريم عن بني إسرائيل، والملاحظ أن القرآن وهو يحدثنا عن اليهود يذكر كلمة الأحبار وكلمة الربانيين، فالحبر هو العالم، والرباني هو العالم العابد الزاهد.