يتوجب أن تتـفرس الحركة الإسلامية الحاضرة في نفسها فراسة خبرة ، فتحدد نقصها ، وتحصي رصيدها ، ليأذن الله أن تصدق فراستها الأخرى في الناس ، وتحكم طريقها في هذا التصارع العنيف ، كما قال الحكيم سمنون حين سئل عن الفراسة وحقيقتها ، فأجاب :
)إن من تـفرس في نفسه فعرفها : صحت له الفراسة في غيره و أحكمها )
انتـقاء و تجميع العناصر المتميزة بالذكاء والشجاعة من الشباب ، ثم تربيتها تربية عميقة شاملة صلبة : ركنان أساسيان في خطة الحركة الإسلامية .

وإنه – كما يقول أبو الحسن الندوي – : ” لا بد من إنتاج الرجال الذين يقومون بالدعوة ويديرون دفتها ، ويربون الرجال ، ويملئون كل فراغ . وكل حركة أو دعوة أو مؤسسة مهما كانت قوية أو غنية في الرجال فإنها معرضة للخطر ، وإنها لا تـلبث أن ينقرض رجالها واحداً إثر آخر ، وتـفلس في يوم من الأيام في الرجال ”
.
على الحركة الإسلامية أن تتفرس في نفسها :
ولكن هذه التربية ليست اكتيال جزاف ، فإن أخص خصائصها أنها تلبي نداء الحاجات المرحلية ، وتعالج الواقع . وفي كل أدب أرشد إليه الإسلام خير ، ولكن طاقة ذي النية الصالحة محدودة ، فـواجب إقرار المفاضلة بين أجزاء هذا الخير ، والبدء بما هو أفضل ، وبما يسد حاجة المرحلة من بعد تشخيص النقص .
ذلكم هو الذي يوجب من بعدُ أن تتـفرس الحركة الإسلامية الحاضرة في نفسها فراسة خبرة ، في خلوة تأمل ، فتحدد نقصها ، وتحصي رصيدها ، ليأذن الله أن تصدق فراستها الأخرى في الناس ، وتحكم طريقها في هذا التصارع العنيف ، كما قال الزاهد الحكيم سمنون – رحمه الله – حين سئل عن الفراسة وحقيقتها ، فأجاب :
(إن من تـفرس في نفسه فعرفها : صحت له الفراسة في غيره و أحكمها )
.
وإنه لمعنى رفيع يكشف عنه سمنون في هذه الحروف القليلة ، ويخولنا إياه ، لنتخذه منطلقاً لفراسة نقدية نصف فيها أنفسنا و نحدد نقصنا ، ثم تحويل الفراسة إلى دراسة نسلكها ينابيع في صفوف الدعاة بإذن الله ، فيخرج بها دعاة ، يصدقون بالصدق الذي جاءهم عن ربهم ، و يحفظون أمره .
ولقد شهد التاريخ القريب لأجزاء الحركة بعداً عن الموازنة في أساليب التكوين والتربية ، وطغياناً في جوانب على جوانب أخرى ، فترى منطقة غلبة الجانب التعبدي وتـزكية النفس ، وفي أخرى ترفاً فكرياً ، وفي ثالثة ولعاً بالمشاركة في أحداث السياسة اليومية ، فاختـلفت الصياغات .
ومن حيثيات كثيرة يعرفها أهل المعاناة : بدأ يتضح الخط التربوي المتكامل الموزون ، المستدرِك للنقص ، وتحددت ملامحه في غرس معاني :
الحرص على الصلاة و تـثـبـيـت العقيدة .
والالتـزام بأدب الأخوة .
و الفرح بالبذل و التعب اليومي .
والشوق إلى الجهاد و الاستشهاد ، من دون تهور .
والانضباط بالطاعة .
و التـقـلـل من الدنيا وطلب الخِـفّـة .
و ترقب الموت ونسيان الأمل الدنيوي .
وحب الله تعالى ، في رجاء يضبطه خوف .
و مفاصلة الذين كفروا والذين نافـقوا .
والصبر على المحن .
فمن تحقق في هذه المعاني فهو الصلب الذي يصح أن يعتمد ضمن القاعدة الصلبة للحركة الإسلامية .