أول التغيير ميدان النفس، «وحسم معارك الوجدان قبل حسم معارك الميدان»، (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغيرُ مَا بِقومٍ حتَّى يُغيِّروا مَا بِأَنفُسِهم) (الرعد: 15). فمن الغفلة المهلكة البحث عن تغيير الواقع ونحن عاجزون عن تغيير ما بأنفسنا، فذلك مخالف لسنن الله في التغيير، فإن أصعب معركة وأشدها تعقيدًا هي معركة النفس البشرية (نفسك أنت) وأخطر أنواع الغطس هو (الغطس) داخل أغوار النفس البشرية (نفسك أنت)، وأكثر مخلوقات الله تملصًا وتهربًا من المسئولية وأشد حبًّا للراحة والاسترخاء هي النفس البشرية.

ورحم الله الإمام حسن البنا، حين قال: «يا شباب الإخوان المسلمين : ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم فى جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولاً، واذكروا أن الدنيا جميعاً تترقب جيلاً من الشباب الممتاز بالطهر الكامل والخلق الفاضل، فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا.».

وكلما تضخَّم فيها (الأنا)؛ تعمَّقت فيها مشاعر السلبية والانسحاب من مواقع التدافع، والاكتفاء بالتفرج على المعركة من بعيد، وتوجيه سهام النقد للعاملين، وكأن المتفرج غير معني بها وبنتائجها، فإذا حسمت لصالح فريقه جاء مهنئًا ومباركًا، أما إذا انهزم (إخوته) «قَلَبَ له ظهرَ المِجَنّ».

فليس من الإنصاف مع العاملين المجتهدين لتغيير الواقع وفق المتاح والأولويات. أن نجمع عليهم (بخس) أشيائهم، و(شماتة) أعدائهم، والأولى أن نعينهم إعانتين:

– بالدعاء الخالص: أن نعينهم بكثرة الدعاء لهم بظهر الغيب على جهدهم واجتهادهم، إذ هم مطالبون بالأخذ بالأسباب وليسوا مطالبين بضمان النتائج. (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)). الأنفال

– وبالتماس العذر: فالجالس على الأرض لا يسقط، والذي لا يعمل لا يخطئ، أما العاملون في الميدان فمعرضون للخطأ كونهم غير معصومين، والأصل فيهم أنهم محل ثقتنا، ولا أحد في هذا الكون يعمل ثم يرغب في الفشل، فلا يؤتين الإسلام من قبلك (بتقصير أو تقييم شخصي).

إذا استشعر كل فرد منا أنه ساهم بقسط ما – مهما كان صغيرًا – في تقصيرٍ لما ترك ثغرة بغير حراسة أو ظن أن (دوره) غير ذي قيمة في حراسة العير، وغير ذي أهمية في تكثير سواد النفير متعللًا بقول السابقين: (هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ)، ويغفل عن حقيقة قرآنية ساطعة في بيانها قاطعة في مواساة جراح المستجيبين لنداء الواجب، فهم الصفوة المرجحة لكفة النصر المنشود مع أن عددهم قليل من المشمولين بقوله عز وجل: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)) (آل عمران). هؤلاء هم الذين يملكون القابلية لتحويل الهزائم إلى انتصارات من بعد ما أصابهم القرح؟