كثيرا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورد في استفتاح خطبه، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

إن الله -عز وجل- يأمر عباده في هذه الآية الكريمة بتقواه، ويأمرهم بالقول السديد، ويعدهم سبحانه على ذلك أمورا عظيمة، يعدهم المغفرة، وإصلاح الأحوال، والتوفيق والتسديد، فمن اتقى ربه -عز وجل- بفعل الأوامر، واجتناب النواهي، فقد فاز فوزا عظيما، ومن ضيع تقواه، واتبع هواه، بغير هدى من الله، أعد الله له عذابا أليما. من اتقى الله، ولزم في منطقه القول السديد، هدي إلى الطيب من القول، وإلى صراط حميد.

 لقد رتب الله -عز وجل- على هذين الأمرين: تقواه، والقول السديد، خيري الدنيا والآخرة، وأنعم على من قام بهما بالنعم الظاهرة والباطنة.

من اتقى الله، وأعمل لسانه بذكر الله، واستعمل الخلق الجميل، مع عباد الله، جعل الله له من كل هما فرجا، ومن كل ضيقا مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. من اتقى الله -عباد الله-: ولزم القول السديد يسره الله لليسرى، وجنبه السوء، والعسرى، وغفر له في الآخرة والأولى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

من اتقى الله زاده الله علما وفرقانا، وملأ قلبه طمأنينة إليه، وثقة به، وأمنا وإيمانا، وأصبغ عليه آلائه فضلا منه سبحانه وإحسانا. من اتقى الله وعده الله بالفرح، والفرج والخروج من كل هم وضيق، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].

يقول جل في كتابه الكريم: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 4-5].فوعد سبحانه من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور الدنيوية والأخروية، وأن يكفر عنه السيئات، ويعظم له الأجور.

 ثم تأملوا -أيها الإخوة المسلمون-: هذه البشارة العظيمة للمتقين من الرب الكريم -عز وجل-: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29].فبشر سبحانه المؤمنين إذا اتقوه؛ بالفرقان، وهو العلم النافع، المفرق بين الحلال والحرام، وبشرهم بتكفير السيئات، ومغفرة الآثام، وبشرهم بالفضل العظيم من الملك العلام الذي لا حد له ولا حصر. كل هذه الثمار، وهذه البشارات، وهذه الفضائل والهبات؛ منحة لمن اتقى ربه ومولاه، منحة لمن لازم التقوى في أعماله وأقواله وأفعاله، وتصرفاته كلها.

جعلنا الله وإياكم من عباده المتقين وللحديث بقية إن شاء الله.