حول مفهوم الثبات

مفهوم الثبات من المفاهيم الهامة في أدبيات الإخوان؛ وهو ركن من أركان البيعة التي يبايع عليها الأخ العامل، وهي لا تعني بحال من الأحوال السكون والبقاء في المكان، أو التكلس علي حالة من الحالات، أو الاستسلام لواقع مفروض، أو الجمود وعدم التطور، كما أن قصر المفهوم علي الثبات في مواجهة الشدائد ليس صحيحاً؛ فالثبات مطلوب في كل الأحوال: من العسر واليسر، والمنشط والمكره، والرخاء والشدة، والنعمة والبلاء، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: من الآية 35).

ومفهوم الثبات وفق النظرة السابقة يتكون من مجموعة من الأبعاد الأساسية التي لا يمكن أن يوصف فرد أو جماعة بالثبات إلا باجتماع هذه الأبعاد، وإلا كان الثبات المقصود جزئياً أو منقوصاً. وفيما يلي أهم مكونات مفهوم الثبات:

أولاً:

التمسك بالمبادئ: فيعيش الإنسان بمبادئه أو يموت في سبيلها، وليس هناك وسط بين الخيارين؛ فالمبادئ لا تكتم مهما كانت الظروف، والمبادئ لا يساوم عليها بأي حال من الأحوال، فهي ليست مجالاً للأخد والرد والتفاوض والمساومات والقيل والقال، فالذي يؤمن بمبادئ العدل والحرية يقف في وجه الظلم والاستبداد ولو وقع من أقرب الناس إليه، ولو كلفه ذلك حياته، وصاحب المبدأ لا يغير جلده أبداً، وإنما يتعامل بهذه المبادئ مع الجميع، وفي كل الظروف. ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف: 43).

ثانياً:

الصبر في مواجهة الشدائد: فمن الطبيعي أن يتعرض أصحاب المبادئ للضغوط الهائلة حتي يتنازلوا عن مبادئهم، وثباتهم علي مبادئهم يتطلب الصبر الجميل والنفس الطويل وما يرتبط بذلك من الصمود والتحدي﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾(الشعراء: 116) ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾(الشعراء: 167). ﴿قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾(النمل: من الآية 56). ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾(النمل: 49).﴿قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(العنكبوت: من الآية 24). ﴿وإذ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾(الأنفال: 30). ولهذا كان أمر الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم بالصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم من الرسل؛ فهذا ما يليق بالأنبياء وورثتهم من العلماء إلي يوم القيامة ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾(الأحقاف: 35). ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (الروم: 60).

ثالثاً:

النجاح في امتحان الرخاء: فالثبات علي المبدأ لا يكون في الشدائد وحدها، ولا عند التعرض للضغوط والتهديدات فحسب، وإنما يكون كذلك في حالة الرخاء، والثبات هنا يعني الاستمرار علي نهج الاستقامة رغم عوامل الإغراء ودواعي الانحراف، والاستمرار في العمل رغم مغريات القعود والركون سواء إلي المال أو الشهرة أو الجاه أو أي شيء آخر يمكن أن يدفع الإنسان للتخلي عن العمل للدعوة وإن لم يتنكر لمبادئها. وقد أحسن الشاعر العباسي حين عبر عن ثبات أخلاقه علي تغير الظروف فقال:
كلاً لبست فلا النعماء تبطرني***** ولا تخشعت من لأوائها جزعاً

رابعاً:

الاستمرار في العمل: فالثبات لا يعني الوقوف في المكان، ولا الجمود والتكلس وعدم التطور، وإنما يعني عدم التفريط في الأصول، أو التنازل عن الثوابت ،أو التنكر للمبادئ، ولا يكتمل هذا المعني بالحفاظ علي الأصول داخل النفس دون المجاهدة لإقرارها في الواقع، ولا يكتمك كذلك إلا بالعمل المستمر لإنجاز الأهداف رغم كل المعوقات، فالثبات علي المبدأ ليس عملاً سلبياً، ولا فلسفة انسحابية، ولا مواجهة صفرية، وإنما يعني العمل من أجل المبدأ بكل الإمكانات المتاحة حتي النفس الأخير، مع استفراغ الوسع في التماس أفضل الوسائل وأحسن السبل التي توصل إلي الهدف من أقصر طريق وبأقل جهد أو تكلفة. ولا يمكن لفكرة أن تنتصر ويصبح لها واقعاً دون أن يستمر أصحابها في العمل من أجلها في كل الظروف. ولهذا يقول الإمام البنا رحمه الله في تعريف الثبات: “وأريد بالثبات:أن يظل الأخ عاملاً مجاهداً في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام , حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين , فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية”(مجموعة الرسائل).

خامساً:

اغتنام الفرص السانحة: فمن المعاني السلبية التي قد تتبادر إلي بعض الأذهان أن الثبات عكس التطور، وأن الثبات يعني الجمود علي القديم وبالتالي فإنه يضعف القدرة علي التعاطي مع المتغيرات واغتنام الفرص السانحة، وهذا ليس صحيحاً علي الإطلاق، فالثبات يتضمن في مكوناته العمل المستمر المنتج المثمر الهادف، ولا يكون ثابتاً علي مبادئه من يضيع الفرص التي تتاح أمامها للانتشار أو الازدهار أو التجذر في بيئتها أو كسب أرض جديدة لها، ولكن كل شيء يقدر بقدره، ويفهم في سياقه، ولذلك قال الإمام البنا رحمه الله في ركن الثبات: “الطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات, ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة، وذلك أن كل وسيلة من وسائلنا الستة تحتاج إلى حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ , وكل ذلك مرهون بوقته”(مجموعة الرسائل).

واجبات عملية:

راجع فهمك للثبات في ضوء الأبعاد السابقة وحدد ما ينقصك منها واعمل علي استكماله إن وجد.
ناقش مع إخوانك أهم العوامل المعينة علي الثبات.
………………………………….أخري(حددها والتزم بها).