دور المعارك الصغيرة والمتناهية الصغر في حسم المعركة !!

يدرك من يدير الهجمة صعوبة المعركة وشموليتها ، وحتمية خسارتها إذا كانت مباشرة ، ومن ثم فيدرك أهمية المعارك الصغيرة والمعارك المتناهية الصغر في حسم المعركة أو التمهيد للنصر الكبير ..

ويرضى هؤلاء بالانتصارات الجزئية والصغيرة في معارك قد يصفها بعضنا بالمعارك الهايفة أو الغير مؤثرة بحال ..

معركة الحجاب كمثال صغير ، لها مجالات كثيرة وفروع متشعبة ، وتخاطب كل مجتمع بطريقته ، وكل وسط بما يناسبه ، وترضى في بعض الأوقات بانتصارات صغيرة أو مؤقتة ، حتى لو كانت بتقليل حجم الخمار ، أو بزركشته ، وإدخال خطوط الموضة إليه ، ثم تنتقل مرحلة أخرى إلى استبداله بالطرحة الكبيرة ، والتي ما تلبث أن تتحول إلى صغيرة ، حتى تتقلص إلى إيشارب ، ثم تنكمش إلى ما يستر الشعر ، ثم تنكمش لتظهر بعض خصيلات الشعر ، ثم تنزلق حتى تسقط عن الرأس ، وهكذا في كل قطعة من ملابس المرأة ، أو زينتها ، بكل تفصيلة صغيرة ، هناك من يديرون هذه المعركة بمنتهى الصبر ، وبدقة التخطيط ، وبسعة أفق تقبل المناورة ، وترضى بالتدرج ..

قل هذا في كل معركة من معارك إفساد العبادات والشعائر ، ومعارك طمس العقائد والثوابت ، ومعارك تمييع قضية الولاء والبراء ..

ومثال آخر : معركة طباعة المصحف الشريف والرسم العثماني والتي يخوضها الأزهر بمنتهى القوة والصلابة ، والتي تصل إلى التزمت ، وتجعل المتعاملين معه في ضجر دائم ، ولكن القوانين الحالية تحتم عليهم ذلك ، فيرضخون لأوامره وطلباته ..

وقد يستغرب البعض من غير المحتكين بهذا الميدان بتفاصيل معارك صغيرة جدا يخوضها الأزهر في هذا المجال للحفاظ على هيبة المصحف وقدسيته ، ورفضه الكامل لمحاولات البعض لجعل المصحف مزركشًا أو ملونًا بألوان الطيف السبعة ، وتمسك لجان المراجعة برفض أي نمش أو رتوش صغيرة في صفحات المصحف ، ومراجعتهم لأي نقطة صغيرة قد لا تراها العين المجردة باستخدام العدسات المكبرة في عملية المراجعة ..

وإلزامه دور النشر باستخدام الرسم العثماني في طباعة التفاسير والتعامل مع النص القرآني ، ورفضه التام لاستبداله بالرسم الإملائي المعتاد للجميع ..

وتستطيع في كل مجال من مجالات الحياة أن ترى هذه المعارك الصغيرة والمتناهية الصغر الهادفة لضرب الهوية الإسلامية والروح الدينية ، حتى لو كانت مظاهر عادية كإقامة الصلاة في المدارس ، أو فتح المساجد في غير أوقات الصلاة ، أو رفع الآذان بمكبرات الصوت ، حتى أوصلها البعض إلى المطالبة بحذف خانة الديانة في الأوراق الثبوتية !!

تستطيع أن تلمسها بسهولة في الإعلام ورفض ظهور المحجبات ، وفي تقليص مساحة البرامج الدينية الكلاسيكية ، أو قطع بث المباريات لرفع الآذان ، أو دقائق قراءة القرآن الكريم قبل رفع الآذان والتي تعود عليها المشاهدون ، أو اختزال الرموز الدينية التي تظهر في الدكتور الهلالي والدكتورة آمنة !!

تستطيع أن تجدها بسهولة في زيادة مظاهر الفسق والفجور في التمثيليات ، والسماح بانتشار الألفاظ السوقية ، وحصار القارئ والمستمع والمشاهد بتفاصيل حياة النجوم ومساحات التعري في أجساد الفنانات ، واستمرار إظهار المتدينين بصورة سيئة ، وتكرار الاستهزاء من الرموز الدينية التقليدية حتى أصبحت صورة المأذون المتهتك في المسرحيات أو الشيخ المرتشي هي السائدة في الأذهان ..

تفاصيل دقيقة لمعارك صغيرة جدًّا تنتشر في كل مظاهر الحياة ،تؤدي دورها في الهجمة ، وقد يستخف بها البعض أو لا يلحظها من الأساس ، ولكن المخططين يعلمون أن النار ستلتهب من مستصغر الشرر ، وأن الكبائر ستنمو من صغائر الذنوب ، وأن حبائل الشيطان تبدأ بسهام النظرة ، ومصائب الكثيرين العقدية تنبع من لغو الحديث ولهو الكلام !!

ومن ثم فمعركة المواريث الدائرة ليست إلا واحدة من عشرات آلاف المعارك الدائرة ، وتأخذ غالب هذه المعارك نظام الجولات المتعددة ، والتي ترضى في بعض جولاتها بمجرد السماح بالنقاش ، ثم بتنازلات بسيطة غير محسوسة ، حتى تأكل الأخضر واليابس ..

وطوبى لمن عرف ثغرته فحافظ عليها ، ومن بحث لنفسه عن دور ، ومن بات يقظا لبوادر الهجمات ..

وفي المقابل لا بد من احترام وتقدير وتشجيع من يخوضون المعارك الصغيرة – في نظر البعض – لصد الهجمة ولنشر الفضيلة فكما ذكرنا : معظم النار من مستصغر الشرر ..

ومازلنا نذكر بالخير إخوتنا وأساتذتنا بالجمعية الشرعية وحرصهم على تعليم الجمهور الأداء السليم للعبادات ،

وإخوتنا وأساتذتنا في مساجد أهل السنة والجماعة وتأكيدهم على أهمية وضرورة سلامة العقيدة من الشركيات ،

وكذلك إخوتنا وأساتذتنا في جماعة التبليغ والدعوة وتعليمهم لنا الشجاعة في دعوة العامة ، وأن كل أحد يستطيع أن يقوم بدور مهما صغر ، وأهمية الخروج في سبيل الله ،

مع احتفاظنا بكثير من الخلافات الطبيعية معهم ، ولكن الأصل أنه خلاف لا يفسد للود قضية ، وأن أعمالهم وإن كانت في محاور معينة فقط لا تحيط بكل القضية ، إلا أنها تصب في الميدان ، باستثناء البعض الذين سيطرت عليهم نفوسهم وحظوظها ، أو حركتهم أجهزة ما لإذكاء الخلاف والشقاق ، وهم قليل بالنسبة للقاعدة الكبيرة المنتشرة بفضل الله تعالى ..

ولك أن تتفهم أسباب التضييق الآن على السلفيين ، ومحاصرة مساجدهم ، وتكميم خطبائهم ، لأن ما يقومون به مهما اختلفنا مع البعض منهم في بعض التصرفات والمواقف يصب مع كتائب صد الهجمة ، ويؤصل مفاهيم وقيمًا إسلامية غابت عن الجماهير .. وخاصة أن الراصد بلا شك رأى انتقال كثيرين في السنوات الماضية إلى خانة الملتزمين عن طريقهم ، وهذه طامة كبرى لقادة الهجمة ، ويعتبرونها انتكاسة في حربهم القذرة والغير مقدسة ضد الإسلام ..

فإغلاق مساجد السلفيين وإيقاف دروسهم ومحاضراتهم ، مع عدم وجود بدائل سيصب في ترسيخ الهجمة ..

كما لك أن تتفهم أسباب قضائهم على ظاهرة الدعاة الجدد ، وحرصهم على تلويثهم معهم وإفسادهم ، ثم الإلقاء بهم خارج الميدان ، لأن هؤلاء الدعاة استطاعوا في غفلة من الأجهزة أن يغيروا أجيالا كاملة ، ومن ثم انتبهت الأجهزة لهذا الوافد الجديد الغير مؤطر والغير منظم لأنه لا يخدم خطط الهجمة ولا أهدافها ، ومن ثم تم استيعابهم واحتواؤهم ثم تلويثهم وتوريطهم ثم فضحهم على العالمين !!

كما لك أن تفهم بعض الهجوم هنا وهناك على مؤسسات مثل “جمعية رسالة” ، والتي تجتذب شبابا من محبي فعل الخير خارج التظيمات والجماعات ، وكذلك القضاء على بعض الجمعيات التي تعتني بالأطفال المشردين والقبض على مديريها !!

وفي المقابل يفتحون الباب لجمعيات ومؤسسات تنشر الفساد واللهو والمجون ، ويسمحون بحفلات ومؤتمرات عليها آلاف من علامات الاستفهام ، ويتغاضون عن فضائيات تبث بشكل غير قانوني لأنها تفيدهم في إفساد المجتمع ، وإماتة القيم الدينية فيه ..

ومن هنا لك أن تدرك خطورة المعارك الصغيرة ، فتستوعب أهمية وضرورة النصيحة الجامعة المانعة : “نعمل فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ” ، حيث العدو متكاتف ومدعوم ..

كما تستطيع أن تعيش في عظمة التوجيه النبوي الشريف : “لا تحقرن من المعروف شيئا” ،

والذي يتكامل ويتضامن مع التوجيه الآخر الجامع المانع : “إياكم ومحقرات الذنوب” ..

فلنكن مع كل من ينشر فضيلة ، أو يعلي قيمة ، أو يفعل معروفًا ، أو ينكر منكرًا ولو بسيطًا ..