دور المعارك الصغيرة والمتناهية الصغر في حسم المعركة !!

م علاء فهمي

يدرك من يدير الهجمة صعوبة المعركة وشموليتها ، وحتمية خسارتها إذا كانت مباشرة ، ومن ثم فيدرك أهمية المعارك الصغيرة والمعارك المتناهية الصغر في حسم المعركة أو التمهيد للنصر الكبير ..

ويرضى هؤلاء بالانتصارات الجزئية والصغيرة في معارك قد يصفها بعضنا بالمعارك الهايفة أو الغير مؤثرة بحال ..

معركة الحجاب كمثال صغير ، لها مجالات كثيرة وفروع متشعبة ، وتخاطب كل مجتمع بطريقته ، وكل وسط بما يناسبه ، وترضى في بعض الأوقات بانتصارات صغيرة أو مؤقتة ، حتى لو كانت بتقليل حجم الخمار ، أو بزركشته ، وإدخال خطوط الموضة إليه ، ثم تنتقل مرحلة أخرى إلى استبداله بالطرحة الكبيرة ، والتي ما تلبث أن تتحول إلى صغيرة ، حتى تتقلص إلى إيشارب ، ثم تنكمش إلى ما يستر الشعر ، ثم تنكمش لتظهر بعض خصيلات الشعر ، ثم تنزلق حتى تسقط عن الرأس ، وهكذا في كل قطعة من ملابس المرأة ، أو زينتها ، بكل تفصيلة صغيرة ، هناك من يديرون هذه المعركة بمنتهى الصبر ، وبدقة التخطيط ، وبسعة أفق تقبل المناورة ، وترضى بالتدرج ..

قل هذا في كل معركة من معارك إفساد العبادات والشعائر ، ومعارك طمس العقائد والثوابت ، ومعارك تمييع قضية الولاء والبراء ..

ومثال آخر : معركة طباعة المصحف الشريف والرسم العثماني والتي يخوضها الأزهر بمنتهى القوة والصلابة ، والتي تصل إلى التزمت ، وتجعل المتعاملين معه في ضجر دائم ، ولكن القوانين الحالية تحتم عليهم ذلك ، فيرضخون لأوامره وطلباته ..

وقد يستغرب البعض من غير المحتكين بهذا الميدان بتفاصيل معارك صغيرة جدا يخوضها الأزهر في هذا المجال للحفاظ على هيبة المصحف وقدسيته ، ورفضه الكامل لمحاولات البعض لجعل المصحف مزركشًا أو ملونًا بألوان الطيف السبعة ، وتمسك لجان المراجعة برفض أي نمش أو رتوش صغيرة في صفحات المصحف ، ومراجعتهم لأي نقطة صغيرة قد لا تراها العين المجردة باستخدام العدسات المكبرة في عملية المراجعة ..

وإلزامه دور النشر باستخدام الرسم العثماني في طباعة التفاسير والتعامل مع النص القرآني ، ورفضه التام لاستبداله بالرسم الإملائي المعتاد للجميع ..

وتستطيع في كل مجال من مجالات الحياة أن ترى هذه المعارك الصغيرة والمتناهية الصغر الهادفة لضرب الهوية الإسلامية والروح الدينية ، حتى لو كانت مظاهر عادية كإقامة الصلاة في المدارس ، أو فتح المساجد في غير أوقات الصلاة ، أو رفع الآذان بمكبرات الصوت ، حتى أوصلها البعض إلى المطالبة بحذف خانة الديانة في الأوراق الثبوتية !!

تستطيع أن تلمسها بسهولة في الإعلام ورفض ظهور المحجبات ، وفي تقليص مساحة البرامج الدينية الكلاسيكية ، أو قطع بث المباريات لرفع الآذان ، أو دقائق قراءة القرآن الكريم قبل رفع الآذان والتي تعود عليها المشاهدون ، أو اختزال الرموز الدينية التي تظهر في الدكتور الهلالي والدكتورة آمنة !!

تستطيع أن تجدها بسهولة في زيادة مظاهر الفسق والفجور في التمثيليات ، والسماح بانتشار الألفاظ السوقية ، وحصار القارئ والمستمع والمشاهد بتفاصيل حياة النجوم ومساحات التعري في أجساد الفنانات ، واستمرار إظهار المتدينين بصورة سيئة ، وتكرار الاستهزاء من الرموز الدينية التقليدية حتى أصبحت صورة المأذون المتهتك في المسرحيات أو الشيخ المرتشي هي السائدة في الأذهان ..

تفاصيل دقيقة لمعارك صغيرة جدًّا تنتشر في كل مظاهر الحياة ،تؤدي دورها في الهجمة ، وقد يستخف بها البعض أو لا يلحظها من الأساس ، ولكن المخططين يعلمون أن النار ستلتهب من مستصغر الشرر ، وأن الكبائر ستنمو من صغائر الذنوب ، وأن حبائل الشيطان تبدأ بسهام النظرة ، ومصائب الكثيرين العقدية تنبع من لغو الحديث ولهو الكلام !!

ومن ثم فمعركة المواريث الدائرة ليست إلا واحدة من عشرات آلاف المعارك الدائرة ، وتأخذ غالب هذه المعارك نظام الجولات المتعددة ، والتي ترضى في بعض جولاتها بمجرد السماح بالنقاش ، ثم بتنازلات بسيطة غير محسوسة ، حتى تأكل الأخضر واليابس ..

وطوبى لمن عرف ثغرته فحافظ عليها ، ومن بحث لنفسه عن دور ، ومن بات يقظا لبوادر الهجمات ..