رجال المبادئ و مبادئ الرجال

الرجولة قيمة تنضج في ظلال المبادئ، المبادئ قيم لا يجمعها إلا الرجال ، الرجولة جملة من الصفات لا علاقة لها بالعمر، فقد يكون المرء رجلاً وهو لايزال فتى يافعاً، وقد يكون المرء كبيراً ليس له من الرجولة نصيب.
فالمقياس ليس بعدد السنين التى عاشها هذا أو ذاك، وإنما المقياس هو تمسكه بالمبادئ واستعداده للتضحية من أجلها بالمحبوب والمرغوب وصبره على المكروه والمبغوض، وقد تكون التضحية في الحالة الأولى بالأموال والمناصب والسيادة و العلو في الأرض، وفي الثانية قد تكون بالحرية والمال والنفس والولد والوطن.

وقد رأينا نماذج كثيرة لهذا وذاك من رجال كبار وغلمان صغار، ومن عبيد وأحرار، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يرفض عرض قريش السخي بالمال والملك والسيادة ويتمسك بدينه ودعوته ويعرض نفسه للأذى والسب والتطاول والافتراء يل لمحاولة القتل وأخيراَ يضحي بالوطن الذي هو أحب بلاد الله إليه.

ورأينا رجالاَ ونساءاَ يعذبون حتى يوشكوا على الهلاك، بل لقد استشهدت منهم سمية – رضى الله عنها – أما الرجال فمنهم بلال بن رباح وخباب وياسر وغيرهم، وقد كان يكفيهم أن يعلنوا عودتهم عن الإسلام ويعيبوا محمد صلى الله عليه وسلم ليتقوا العذاب الشديد، ورأينا أيضاَ الغلام صاحب قصة أصحاب الأخدود يتحمل الأذى حتى الموت ويرفض العودة عن دينه .
ولقد فازهؤلاء جميعاَ على المستوى الشخصي فمن مات منهم نال الشهادة، ومن عاش منهم فاز بعز الدنيا وحسن الذكر وطيب الأحدوثة عبرالأجيال والقرون، وفازوا على مستوى مبادئهم ودعواتهم التى انتشرت في الناس وامتدت لدى الأوطان والأمم.
وكم كانت الخسارة – لاقدرالله – لو انهم آثروا الراحة وتنكروا للمبادئ وتخلوا عن الرجولة ، فكانت الخسارة تكون باهظة على كل هذه المستويات.
وهذه المواقف الرجولية لم تقتصر على الزمن البعيد ، بل إن كثيراَ من أساتذتنا ضربوا أروع الأمثلة في الزمن القريب وقضوا سنين عدداَ في المعتقلات والسجون وخرجوا ليحملوا الدعوة وينشروها بين الناس يحوطهم احترام الناس وتوفيق الله.
ونكتفي بموقف واحد ….. ففي سجن الواحات توجه مأمور السجن شاهراَ سلاحه إلى مجموعة من الأساتذة مهدداَ إياهم بالقتل إن لم يوقعوا استمارة تأييد للنظام فما كان من الأستاذ عمر التلمساني اللطيف الوديع إلا أن هب واقفاَ وفتح قميصه
وقال للمأمور : اضرب …اضرب … فما كان من الأخير إلا أن أغمد سلاحه وأعطاهم ظهره ومشى .
هؤلاء جميعاَ وأمثالهم قال الله تعالى فيهم (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )
وحذر المنافقين لهم بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)
نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، إنه لطيف كريم .