سعـــد بـن معــاذ

ذلك الرجل الذي اهتز عرش الرحمن لموته وشيعته الملائكة وسعدت بروحه السماوات إنه اسمه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ( أنصاري أوسي أشهلي )
ولكي نقترب من شخصيته فلنعرف بعض صفاته الخَلقية أولا :

• صفـاته الخَلقـية: ـ
كان سعد بن معاذ رجلا أبيض طوالا ، حسن الوجه ، أعين ، حسن اللحية ، وسيما جليلا ، فارع الطول ، مشرق الوجه جسيم ، جزل …

• عمره في الدعوة
أسلم في الواحد والثلاثين من عمره ، واستشهد في السابع والثلاثين .

• إسلامـه :
عندما ذهب مصعب بن عمير إالي المدينة والتقى فيها بالأنصار ودعاهم للإسلام وكان معه في المدينة أسعد بن زرارة بعد إسلامه ودخلا معا حائطا لبني ظفر ، سمعا به سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وهما سيدا قومهما فأرسل سعد أسيدا ليرى ما يحدث .فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير : هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه .

قال مصعب : إن يجلس أكلمه . فوقف أسيد متشتما فقال له مصعب :

أوتجلس فتسمع فإن رضيت أمرنا قبلته وإن لم ترضه كففنا عنك ما تكره ، فكلمه مصعب وقرأ عليه القرآن ـ فأسلم ثم عاد إلى سعد بن معاذ ـ قال له سعد ما فعلت ؟ فأخبره : ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا : نفعل ما تشاء وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا لأسعد بن زرارة ليقتلوه ، وقد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك . فخرج سعد فوجدهما مطمئنين فعرف ما فعله أسيد ليخرج .

وقف سعد بحربته أمام مصعب وأسعد بن زرارة . وقال لهما أتغشانا في ديارنا بما نكره . قال له مصعب : أوتقعد فتسمع فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته تحولنا عنك . قال سعد : أنصفت ، ثم جلس فقرأ عليه القرآن . قال الرواة : فعرفنا في وجهه الإشراق والإسلام قبل أن يسلم ، ثم قال : كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في الإسلام ؟ قال مصعب تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبيك ، وتشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين . فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير .

فلما رآه قومه مقبلا ، قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف عليهم ، قال يابني عبد الأشهل : كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة . قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة . فكم شخص هداه الله على يديك أخي ؟

• سعد بن معاذ وغزوة بدر :

في غزوة بدر جمع الرسول أصحابه من المهاجرين والأنصار ليشاورهم في الأمر ويسمع لهم ولكنهم كانوا من المهاجرين ، ويمم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول : أشيروا علي أيها الناس ، وينهض سعد بن معاذ قائما كالعلم يقول : يا رسول الله .. لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك .. والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل رجا واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا .. إنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله .

وقبل أن تبدأ المعركة وعند استعداد المسلمين لها يشير سعد على رسول الله : يانبي الله ،ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا ، كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصرونك ويجاهدون معك .

فأثنى رسول الله عليه ودعا له بخير . ثم بنى لرسول الله عريشا فكان فيه .

• في غزوة أحد :
وعندما تشتت المسلمون تحت وقع المباغتة التي فاجأهم بها جيش قريش بعد نزول الرماة من على الجبل ، لم تكن العين تخطئ مكان سعد ، لقد سمر قدميه في الأرض بجوار رسول الله يذود عنه ويدافع عنه باستبسال هو له أهل وهو به جدير .

• في غزوة الأحزاب :
حين ألبت اليهود قريش وقبائل العرب على غزو رسول الله في المدينة على أن يقفوا معهم ووضعوا معهم خطة القتال والغزو .علم رسول الله بخيانة اليهود فأرسل إليهم سعد بن معاذ (سيد الأوس ) وسعد بن عبادة (سيد الخزرج ) . فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم ؟ أم لا؟ فخرجوا حتى أتوهم ، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وقد نالوا من رسول الله وقالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد .

عزة وإباء حتى الموت :
وعندما رأى رسول الله العرب قد اجتمعت على المدينة أراد أن يخفف عنهم ففاوض غطفان أن يعودوا على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة ثم أرسل إلى س وسعد بن عبادة يستشيرهما لأنهما سيدا الأوس والخزرج ، فقالا : يا رسول الله ، أمر تحبه فنصنعه لك أم أمر من الله لابد لنا من العمل به أم شييء تصنعه لنا ، قال بل شيء أصنعه لكم لأنني رأيت العرب قد اجتمعوا عليكم ..)، قال س : قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا ، أفحينما أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا .والله ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم .فنزل رسول الله على رأيهما .

• يصاب ويتمنى لقاء قريش :
وفي إحدي الجولات يصاب بسهم في كاحله قذفه به أحد المشركين وتفجر منه الدم وأسعف إسعافا مؤقتا .وأمر الرسول أن يحمل إلى المسجد وأن تنصب له خيمة به حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه .
ورفع سعد بصره شطر السماء وقال : ( اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه..وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة ولاتمتني حتى تقر عيني من بني قريظة ).

لك الله يا سعد …

فمن يستطيع أن يقول مثل هذا القول في مثل هذا الموقف سواك ؟.

يتمنى الشهادة ولكنه يتمنى أن يلقى أعداء الله أولا ويجاهدهم حتى يلقى الله وقد أمضى ما عليه .وإن كانت الشهادة ستدخله الجنة ولكنه يسعى ويطمح إلى أعلى من ذلك ( ورضوان من الله أكبر )

• موازين الرجال وحقائق الوجود:

ويعد سعد بن معاذ نموذجا فى ذلك .

بنو قريظة كانوا حلفاء سعد ومواليه في الجاهلية .وبعد انتهاء غزوة الأحزاب فرغ رسول الله لهم بعدما حرضه جبريل عليه السلام. وبعد حصار دام 25 ليلة جهدهم فيه الحصار جهدا شديدا.

ففي صباح الخامس والعشرين وبعد مداولات ومشاورات بين القريظيين وبعد أن قذف الله في قلوبهم الرعب قبلوا أن ينزلوا على حكم رسول الله .فتواثب الأوس فقالوا يا رسول الله موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما علمت وقد كان الرسول حاصر بني قينقاع وكانوا حلفاء الخزرج ، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوجههم له (أي أعتقهم ) فلما كلمه الأوس قال رسول الله : ( ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجلا منكم ) قالوا : بلى . قال فذاك سعد بن معاذ .. فجاءوا به وكان يمرض في جانب المسجد . فقالوا يا أبا عمرو ألا إن رسول الله ولاك مواليك لتحكم فيهم . فوقف سعد بين المسلمين واليهود ، فنظر إلى اليهود وقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيما حكمت ؟ قالوا : نعم . ثم نظر وهو معرض عن رسول الله إجلالا له (وعلى من هاهنا ) فقال رسول الله : (نعم ) قال سعد: إني أحكم فيهم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء ). فقال رسول الله : ( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات )

• دعوة سعد :
أما سعد رضي الله عنه فقد دعا بعد ذلك بقوله ( اللهم إنك علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أقاتل أوأجاهد من قوم كذبوا رسولك ، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني لها ،وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك ) فانفجر جرحه حتى أنهاه إلى ربه راضيا مرضيا .

صورة لشخصية عظيمة صورة مشرقة بعطائها وقت المحن والخطوب .

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ,منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

• كل الوشائج مقطوعة إلا ما وصلها الله :

رجل لا تأخذه في الله لومة لائم . لا يعرف إلا محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وشائج القربى بنه وبين الناس مقطوعة إلا ما وصلها الله وأمر بوصلها . لم يرد رضي الله عنه أن يتشابه برجل منافق استغل وجوده في الصف المسلم لتمرير شبكة علاقات قائمة على أصول جاهلية فاسدة ، أو يبنى علاقة على حساب الإسلام والمسلمين .

شخصية صحابية بلغت من الرقي الفكري والنفسي إلى درجة القرب والعبودية لله جل وعلا . صار يعرف ما يريده وما هذا إلا بسبب الطاعات وكثرة القرب من الله كما قال تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا إن الله مع المحسنين ) فقد وافق حكمه حكم الله سبحانه وتعالى . يدعوا الله بطول العمر أن كانت هناك فائدة ” أي قتال المشركين ” ليس لجمال طعام ولا لين فراش ولكن ثمة رغبة في الحياة من أجل الجهاد .

إنها نفوس ما زالت تترقى وتتعالى على شهواتها حتى صار الجهاد شهوتها ورغبتها :

وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

ومن هذا نعلم لماذا كان الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا

•وفاته رضي الله عنه :

وذات يومٍ ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته ، فألفاه يعيش في لحظات الوداع فأخذ عليه السلام رأسه ووضعه في حجره وابتهل إلى الله قائلاً : ” اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك وصدق رسولك وقضى الذي عليه فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحاً ”

وهطلت الروح المودعة برداً وسلاماً …

فحاول في جهد، وفتح عينيه راجياً أن يكون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر ما تبصره عيناه في الحياة . وقال: السلام عليك يا رسول الله … أما إني لأشهد أنك رسول .
وتملى النبي وجه سعد آنذاك وقال : ” هنيئاً لك أبا عمرو ” .

ـ يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : كنت ممن حفروا لسعد قبره : وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب شممنا ريح المسك حتى انتهينا إلى اللحد .

ـ وعن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه : لما انتهوا إلى قبر سعد ورسول الله واقف فلما وضع في قبره تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبح ثلاثاً فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع ثم كبر ثلاثاً وكبر المسلمون . فسئل عن ذلك فقال : ” تضايق على صاحبكم القبر وضمّ ضمةً لو نجا منها أحد لنجا هو ، ثم فرج الله عنه ” .

• اهتز لموته عرش الرحمن :

ـ وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن العرش اهتز لموت سعد فرحاً به “.

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في حُلةٍ تعجبوا منها ومن حسنها : ” لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خيراً من هذه ”

ـ وعن جابر قال : جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش ” .

ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش وفتحت أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك . ولقد ضُمّ ضمةً ثم أفرج عنه ”

ـ وفي جنازته مشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس أصابعه لكثرة ما كان من الملائكة المشيعين لجنازته رضي الله عنه فهكذا رجال الجهاد يحيون ، وهكذا يموتون ….

ـ اللهم اجمعنا به مع نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى في عليين .