وللتربية عند الإمام البنا خصائصُ لا نستطيع تكوين الإنسان الصالح إلا من خلالها، والاتِّصافُ بهذه الخصائص ضرورةٌ لتكوين الفرد المسلم القادر على خوْض غمار الحياة بقوَّة وحرية، وثبات واطمئنانٍ، ومن هذه السمات:

1- الربانية:

فالجانب الرباني عند الإمام البنا من أهم جوانب التربية، وأشدها خطرًا، وأعمقها أثرًا؛ وذلك لأن أول هدف للتربية الإسلامية هو تكوين الإنسان المؤمن.

لقد حاول الإمام البنا في تربيته الإيمانية أن يجمع ما فرَّقه المتكلمون والصوفية والفقهاء من عناصر الإيمان الحق، وأن يُجدِّد ما أبلاه المسلمون في الأعصر الأخيرة من معاني الإيمان الحق، فعاد إلى المنابع الصافية من الكتاب العزيز والسُّنة المطهَّرة وإيمان الصحابة، ومَن تبِعهم بإحسان من سلف الأمة، الذي شمِل إيمانهم اعتقاد القلب وإقرار اللسان، وعمل الجوارح [8].

2- التكامل والشمول:

فليست التربية مقصورة عنده عند جانب من الجوانب، فهي لا تضع كل اهتماماتها في الجانب الرُّوحي أو الخلقي، والذي يُعنى به المتصوفة والأخلاقيون، ولا تَقصر كل جهودها على الجانب الفكري، والذي يُعنى به الفلاسفة والمتكلمون، ولا تجعل أكبر همِّها في التدريب والجندية، والتي يُعنى بها العسكريون، ولا تَحصر نشاطها في التربية الاجتماعية، كما يُعنى بها المصلحون الاجتماعيون.

إنها في الواقع تهتم بكل هذه الجوانب، وتحرِص على كل هذه الألوان من التربية؛ وذلك لأنها تربية الإنسان كل الإنسان: عقله وقلبه، رُوحه وبدنه، خُلقه وسلوكه، كما أنها تَعُدُّ الإنسان للحياة بسرَّائها وضرَّائها، سِلمِها وحربها، وتَعُدُّه لمواجهة المجتمع بخيره وشرِّه، وحُلوه ومُرِّه.

3- الإيجابية والبناء:

لقد كان لحسن البنا من اسمه نصيبٌ، فكان حقًّا رجل بناءٍ، لا رجل هدمٍ، ورجل عملٍ لا رجل كلامٍ، ورجل واقعٍ لا رجل خيالٍ، لهذا اتَّجه بطاقته وطاقات الإخوان من حوله إلى الإيجابية والإنتاج، بدل الاشتغال بلَغو القول، ولَهْو الحديث، وعبَث الصِّبيان، والبحث عن عيوب الآخرين، وطُوبى لمن شغَله عيبُه عن عيب الناس.

4- الاعتدال والتوازن:

فلا بد للمسلم أن يتَّصف بالاعتدال والتوازن في كل شيء، فهو يوازِن بين العقل والعاطفة، وبين المادة والرُّوح، وبين النظر والعمل، وبين الشورى والطاعة، وبين الحقوق والواجبات، وبين القديم والجديد، وفي هذا يقول الإمام البنا: «كل أحدٍ يؤخذ من كلامه ويترك، إلا المعصوم ﷺ وكل ما جاء عن السلف – رضوان الله عليهم – موافقًا للكتاب والسُّنة، قبِلناه، وإلا فكتاب الله وسُنة رسوله ﷺ أولى بالاتِّباع،

ولكنَّا لا نعرض للأشخاص – فيما اختُلِف فيه – بطعنٍ أو تجريحٍ، ونَكلهم إلى نيَّاتهم، وقد أفضوا إلى ما قدَّموا».

وهذا هو الاعتدال، كما هو الإنصاف الذي لا يُماري أحدٌ فيه.

ومن دلائل الاعتدال والتوازن في فكر البنا، نظرتُه إلى المجتمع، فهي نظرة وسطية معتدلة، تنظر إلى المجتمع من أُفق رَحْبٍ، ومن زوايا متعددة، وبمنظار سليم لم يَشُبْه الغَبش والقَتام، وكان حسن البنا يربي أتباعه على الاحتراز من خطيئة (التكفير) للمسلمين، وفي هذا يقول في الأصل الثاني من الأصول العشرين:

«لا نكفر مسلمًا أقرَّ بالشهادتين، وعمِل بمقتضاهما، وأدَّى الفرائض – برأي أو معصية، إلا أن أقرَّ بكلمة الكفر، أو أنكَر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسَّره على وجه لا تَحتمله أساليب اللغة العربية بحالٍ، أو عمِل عملاً لا يحتمل تأويلاً إلا الكفر».

هكذا كان منهج البنا في تربية الإنسان الصالح، قائمًا على الوسطية والاعتدال واحترام الآخر [9].

5- الأُخوة والجماعة:

ومن المعاني الذي ربَّى عليها حسن البنا الإخوان: الأخوَّة والمحبة في الله، وقد جعَل الإمام البنا الأخوة أحد أركان البيعة العشرة، وفسَّرها بقوله: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها، الأخوة أخت الإيمان، والتفرُّق أخو الكفر، وأقل القوة قوة الوَحدة، ولا وَحدة بغير حبٍّ.

أقل الحب سلامة الصدر، وأعلاها مرتبة الإيثار؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16].

هذه أخي أهم الأُسس الذي قام بها الإمام البنا لقيام الفرد المسلم، أو بتسمية علماء التربية (الإنسان الصالح)، والمتدبر في حياة الإمام البنا وتُراثه، يجد أن الإمام البنا خلَّف ميراثًا نافعًا، يستطيع كل مسلم مهما كان تخصُّصه أن ينتفعَ به، رحِم الله البنا، وأسكنه ربُّه فسيحَ جنَّاته، وجعلنا ممن يَسيرون على خُطى حبيبنا محمد ﷺ.

———————.

[6] وسائل التربية عند الإخوان المسلمين؛ د. علي عبدالحليم محمود.

[7] المرجع السابق.

[8]التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا؛ د. يوسف القرضاوي.

[9] المرجع السابق.