لست بالخب ولا يخدعني الخب

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

فمن روائع حكم الفاروق – رضى الله عنه – ومن عيون كلامه قوله ” لست بالخب ولا يخدعني الخب” وهذا من تمام عقله ونفاذ بصيرته وكمال دينه، فهو أورع من أن يخدع الآخرين وهو أعقل من أن يخدعه المخادعون، وهذه فراسة المؤمن الذي يرى بنور الله ولا ينخدع بالمظاهر ولايغره الغرور.

وذلك من ألزم الصفات التي يجب أن يتحلى به المؤمنون المجاهدون أصحاب الرسالة فلهم من دينهم ومراقبتهم لله ما يمنعهم من خداع الخلق ، ولهم من كمال دعوتهم وسموها ووضوحها ومناسبتها للفطرة السليمة ما يمكنهم من مخاطبة الناس بها في بيان واضح لا لبس فيه.

ولهم من سمو أهدافهم وغاياتهم في خدمة الدين والأوطان والإنسانية ما يطمئنهم إلى قبول الناس للحق الذي يحملونه والإجتماع تحت الراية التى يرفعونها ولهو من تطابق أقوالهم ودعوتهم مع أحوالهم وأفعالهم ما ينفع كل بصير أنهم لا يبتغون إلا الخير ولا يقصدون إلا مصالح الخلق.

لكل هذا فهم ليسوا بحاجة لخداع أحد بل يتقدمون بدعوتهم واضحة كالشمس ثابتة كالجبال فإن أصابهم في ذلك شئ مما يكرهون صبروا واحتسبوا وبقى شعارهم ” اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ” وإن جاءهم فتح من الله ونصر مبين كان شعارهم “هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر” .

أما المخادعون فهم أصحاب الدعوات الملتوية وذووا الأغراض الشخصية والمنفعية وأهل الأهواء والشهوات يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، ويزينون باطلهم بألوان من الزينة ليغروا الناس ويجذبوهم إليه ، ويجتهدون في خديعة المؤمنين والإيقاع بهم والمكر لهم وتدبير الكيد السئ لإيقاع الشر والأذى لهم (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ ….)
وهم يستغلون في ذلك سلامة قلوب المؤمنين وحسن ظنهم، فيظهرون لهم خلاف الحقيقة، ويحدثونهم بما يعملون أنه يرضيهم وهي تلك طبيعة الخوان الكذوب يقول (صلى الله عليه وسلم) ” المؤمن غرٌ كريم، والفاجر خبٌ لئيم ” أي أن المؤمن طيب القلب سليم الفطرة يتعامل مع الناس بصدق وسماحة نفس.

بخلاف الفاجر المخادع صاحب الطبع اللئيم الذي يهتم بتحصيل غرضه الأثيم بكل وسيلة، ولو كانت نفاقاً أو خداعاً أو مكراً فليس في نفوسهم من الدين والإيمان ما يحجزهم عن الخداع، وليس في قلوبهم من الحق والخير ما يدفعهم للإخلاص حتى لمن أخلص لهم (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)
وأمثال هؤلاء يجب أن يتفطن المؤمن العاقل لأمرهم وأن يحذر من الوقوع في خداعهم ومكرهم وأن ينتبه لأساليبهم ووسائل كيدهم حتى لاينالوا منه ومن دينه، وبخاصة إذا ظهر له كيدهم و أصيب منه مرة ” فالمؤمن لايلدغ من جحر واحد مرتين” .

وهكذا كان الفاروق لايخدعه الماكرون، وهكذا يكون المؤمنون متثبتين متيقظين لكل محاولات الفجرة للمكر بهم عبر الألفاظ البراقة أو المصطلحات الخداعة أو الكلام المعسول .
كمثل ذلك الذي يردده الأفاكون حول ما يزعمون أنه مصالحة وهو في حقيقته دعوة للإستسلام للباطل والرضوخ والأذعان للفساد، فكن أيها الحبيب أنت واخوانك عمريين لا تخدعون ولايخدعكم الكذابون.
والله معكم ولن يتركم أعمالكم……