محاضن التربية الإخوانية

تقديـم:
أدرك الإخوان المسلمون أن أزمة المسلمين تتمثل في الانفصال بين القيم والسلوك، فأزمتنا الحقيقية هي في التربية، لأن التربية وحدها هي التي تثبت القيم الصالحة الخيرة في النفوس، وهي وحدها التي تعيد تشكيل السلوك على أساس تلك القيم، والتربية ليست معلومات وكتب يحشى بها الذهن ، ولكنها سلوك يكتسب في الميدان، وركيزتاها الحب والقدوة، فبغير حب لا ينشأ سلوك قويم، وبغير قدوة لا توجد تربية ) ولكم في رسول الله أسوة حسنة).
* وكان لزاماً على هذه الجماعة التي نذرت نفسها لتحقيق أهداف عظام وخوض طريقها الطويل المعبد بالمكاره والصعاب أن توفر لأتباعها محاضن تربوية؛ نشراً للعقيدة وتدريباً على الشعائر وإشاعة لأخلاق الإسلام وقيمه، محاضن دافئة للشباب يتنفس فيها رائحة التقوى ويعيش أخوة الإسلام وقيم التضامن في مجتمع يشتد اتجاه تجرده منها لصالح قيم العلمانية والمادية .
خصائص التربية في المحاضن الإخوانية:
تعتبر هذه المحاضن الوسيلة الأساسية لتواصل الفرد مع إخوانه والاجتماع بهم، وتعميق أخوته ومحبته لإخوانه، وتوحيد فكره وتصوراته عن القضايا المختلفة، كما أنها منبع أصيل من منابع الإيمان ووسيلة عظيمة للتزوُّد بكل ما يحتاجه الفرد من عدة، ومن خلالها تمارَس الأخوَّة الإسلامية ممارسةً عمليةً حقيقيةً، ومن أهم خصائص التربية الإخوانية في هذه المحاضن أنها:
– ربانية :تركز على إيقاظ الإيمان والإخلاص لله تعالى.
– شاملة ومتوازنة: نابعةٌ من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي وتكامله وتوازنه.
– متدرجة: نابعة من إيماننا بأن التدرج سنةٌ من سنن الله في الكون.
– تنظيمية: تأخذ بأسباب التنظيم حتى تؤتي أهدافها وثمارها المرجوَّةَ منها.
– حركية: تركز على توجيه حركة الفرد بإيجابية في المجتمع حوله.
– مستمرة :تلازم الفرد مدى حياته، فتدفعه دائمًا للإحسان في كل شيء.

أركان العملية التربوية في المحاضن الإخوانية:
أركان العملية التربوية في هذه المحاضن مستمَدة من سيرة الحبيب- صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام، كما تتميز بأنها تأخذ بالأساليب العلمية الحديثة في عملية التربية، فهي تجمع بين الأصالة والتجديد، وتحرص على الابتكار والتطوير، ويعتقد الإخوان أنه لن تنجح الجماعة حتى تتحقق وتتوافر فيها أركان العملية التربوية جميعاً وهي:
-11المربي: ويمثل القدوة الصالحة وهو حجر الزاوية في العملية التربوية، وهو المسئول الأول عن نجاح العملية التربوية وتحقيق أهدافها.
22- الفرد: ويمثل اللبنة الأولى في الجماعة، ويجب أن يكون إعداده متكافئًا مع ثقل المسئولية التي سيحملها، إعداداً روحياً ونفسياً وعقلياً وحركياً وجسدياً، إعداداً شاملاً متكاملاً، معتدلاً متوازناً، وحركياً ميدانياً.
33- البيئة الصالحة: المناخ السليم والبيئة الإيجابية المناسبة لتربية الفرد وتحصينه من البيئات غير المناسبة، بيئة تتحقق فيها معاني الحب والأخوَّة، والثقة والجندية، والانضباط والالتزام، والشورى والنصيحة.
44- المنهج الصحيح: وعناصر هذا المنهج تشمل الأهداف والمحتوى والأساليب والوسائل والتقويم، وهو متحقق في البحر الذي لا ينضب: كتاب الله تعالى وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وورثتهم من العلماء المجاهدين، وكل ما يتفتق عنه العقل البشري من علم نافع وحكمة سديدة، تساعد في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
أنواع محاضن التربية الإخوانية:
أ-المحاضن العامة
هناك محاضن عامة في المجتمع تحرص الجماعة على الاستفادة منها في تنشئة أفرادها وتربيتهم، وتحقيق أهدافها الجماعية، وسأركز على الأهم منها وهما البيت والمسجد:
1- البيت :

البيت الإخواني محضن رئيس وله أهمية كبرى في تحقيق التربية الإخوانية بأهم وسائلها وهي: التربية بالقدوة، حيث يكون هذا البيت إسلامياً في سلوكه وحياته وشكله وما يسوده من قيم وآداب وعادات ويشب الأبناء فيه في ظل أبوين ملتزمين بالإسلام، ويجد الأبناء في بيوتهم الأسوة الحسنة والمثل التي يجب أن تحتذى.
2- المسجد:
ويعتبر المسجد محضناً تربوياً عاماً لعمل الإخوان ولتحقيق التربية المسجدية المميزة لدى أفراد الإخوان , ولذلك يعطي الإخوان أهمية خاصة لإعمار المساجد بالبناء والمصلين وعقد جلسات وحلقات لتعلم تلاوة القرآن وتثقيف الناس في أمور دينهم مما ينفع الناس ويجذبهم للعمل الإسلامي حتى تكون المساجد منارات علم وهداية وتثقيف للمسلمين عامة وللإخوان خاصة، ومن خلاله يتم تنظيم دروس راتبة لعلماء ودعاة، وتلزم بها الجماعة أفرادها مما ينمي فكر الفرد ومعرفنه بدينه ودنياه.
ب- المحاضن الخاصة:
وهي مجال التركيز في هذا البحث، لكونها تتوفر فيها أركان العملية التربوية كافة، وأنها تقع تحت مسئولية الجماعة، وهي مجال عملها الأساس، ولأنها تركز على قوة وسلامة الصف الداخلي والتنظيمي، وتختص بتحقيق إحسان التربية والإعداد والاستيعاب الداخلي قبل الانطلاق والتوجه للاستيعاب الخارجي في مناحي المجتمع، وإلاّ فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
وتفصيل هذه المحاضن الخاصة كما يلي:
1- الأسرة:
الأسرة الإخوانية محضن من أهم مكونات نظام الجماعة الإداري التنظيمي والتعليمي، فهي الحضن الدافئ للأعضاء والحصن المكين لاستمرار الدعوة ونجاحها، على غرار نظام الأسرة في الإسلام وما كان من تآخي الصحابة رضي الله عنهم.
وأركان الأسرة الإخوانية هي: التعارف ( الأخوة ) والتفاهم والتكافل والثقة، وهي أهم الروابط التي تربط الأفراد داخل الأسرة وبالتالي تمتد داخل الجماعة كلها قادةً وجنودًا، وتحكم سير العمل وتحمي نظام الجماعة من التهدم أو الانهيار وتحفظ قوته وصلابته.
3- الكتائب:
الكتيبة الإخوانية محضن بمثابة معهد للتربية الروحية، وتجتمع فيه عدد من الأسر في مكان خاص لعدة أيام وفق منهج خاص, يعتمد على تلقي العلم وتربية الروح وترقيق القلب، وتزكية النفس، على غرار ما كان في دار الأرقم رضي الله عنه.
كما يتم من خلاله إعداد الأفراد جهادياً وأخذهم بأسباب القوة: الروحية والفكرية وتعويدهم على الصبر والاحتمال، وتعويد البدن والجوارح على الاستجابة للعبادة بعامة وللتهجد والذكر والتدبر والتفكر، كما يتحقق من خلاله تقوية الصف بالتعارف وتمازج النفوس والأرواح ومقاومة العادات والمألوفات والمران على حسن الصلة بالله تعالى .
4- -الرحلات:
الرحلة محضن لتربية الأفراد تربية جماعية وفيها يتمتع المشاركون بحرية الحركة والتريض والتدريب والصبر على بذل الجهد.
وهي تعني بتقوية البدن، وكذلك الترويح عن النفس، وتوثيق العلاقة بين الأفراد، وتعميق الارتباط بينهم، كما تُعنَى بتدريب الأفراد على الاعتماد على النفس وحسن التصرف وتحمُّل المشاق، والتزام النظام، والحرص على الانضباط والجاهزية، واكتساب الخبرات العملية, والتعود على العمل الجماعي المنظم والتمرن على بذل الجهد البدني وتحمل الجوع والعطش والصبر على شهوات النفس والتعود على خلق التعاون والتواضع وتحمل المسئولية والتدرب على القيادة والإدارة والتخطيط.
5- الفرق الرياضية والكشفية:
نظام الفرق الرياضية والكشفية والجوالة محضن هام، يحقق رعاية الأفراد وتربيتهم منذ الصبا، من خلال الألعاب الرياضية المناسبة لكل جيل، وتربيتهم على المبادئ السامية والأهداف النبيلة وأخلاق الأخوة والمروءة والشجاعة والنجدة والإيثار والتضحية وتقوية أجسامهم وتعويدهم الطاعة والنظام والأخلاق الرياضية الفاضلة وإعدادهم للجندية الصحيحة, فهي محضن ومعهد للتربية الجسمية للإخوان، وهي أشبه بمنظمة شبه عسكرية.
6- المعسكرات:
نظام المعسكر امتداد لنظامي الكشافة والجوالة وهو محضن يتخصص لترسيخ معاني الجهاد في صورة عملية وإعداد الأفراد وتأهيلهم للعمل العسكري حتى تتحقق على أيديهم فكرة الجهاد في الإسلام.
المعسكر محضن يهدف لإعداد الأفراد وتربيتهم وتدريبهم وتأهيلهم لأداء أعمال عسكرية معينة بإتقان, كبذل جهد بدني عنيف وجري لمسافات ومدد كبيرة, وتعود على مزيد من التدريبات العنيفة والتدريب على بعض الأدوات والآلات والأسلحة وغيرها, ويتم في هذه المعسكرات إعطاء جوانب من التعبئة الفكرية والتربية الروحية اللازمة للحياة الجهادية.
وهو يستمر لعدة أيام يتدرب الفرد فيها على الأخلاق الإسلامية والآداب القرآنية، ويتدرب على ممارسة الجندية بكل معطياتها، من طاعة ونظام وتحمُّل وانضباط والتزام، كما يتدرب على تحمل المسئوليات العملية والتعرف على أعبائها وواجباتها.
7-المؤتمرات:
المؤتمر محضن يجتمع فيه عدد كبير من المشتركين ويشارك فيه خبراء مختصون لتبادل الرأي في الموضوعات المطروحة وإصدار توصيات للجماعة .
وتعقد المؤتمرات بين فترة وأخرى على فترات متباعدة نسبياً, وتركز على الجانب الثقافي والفكري والسياسي, وهي فرصة لتنشيط الفكر وتلقيحه بأفكار أخرى وإحداث التفاعل الإيجابي بين المشاركين والخبراء المختصين, كما تجدد الروابط وتعمق التعارف وترسخ معاني الأخوة .
كما أنها فرصة لممارسة مبدأ الشورى على أعلى المستويات القيادية وعلى أدق التفاصيل, مما يعزز ثقة الأفراد بالقيادة والجماعة, والتزام الأفراد للقرارات الصادرة والتوصيات الموضوعة, كما أنها تشكل فرصة لتجديد البيعة من الأعضاء لقيادتهم.
8- الدورات:
الدورة محضن تربوي ينظم دورياً في فترات معينة, ويتم اختيار عدد من الأفراد أو النخب المختارة في مكان خاص لتلقي أنواع من المحاضرات والمدارسات والبحوث والتدريبات حول موضوع أو أكثر من مواضيع العمل الإسلامي .
وهي تتميز عن غيرها بخصائص معينة فهي دراسة مكثفة حول موضوع بعينه علمي أو تدريبي يقصد أن يصل الدارس فيه إلى أعماق الموضوع على أيدي المحاضرين أو المدربين المختصين ويجد المشاركون فيها فرصة الفهم العميق والحوار المثمر والتعبير الدقيق لأطراف الموضوع , وفيها تنمى الخبرات ويصقل الفرد بأخلاق الحوار الهادف ويتدرب فيه على تكوين الآراء العلمية الموضوعية.
9-الندوات:
الندوة محضن تربوي يلتقي فيه عدد من الإخوان مع الخبراء والمختصين والمهتمين للإسهام في دراسة موضوع أو مشكلة بحيث يعطي كل منهم رأيه مدعماً بالأدلة والبراهين ، وقد يكون الجمع كبيراً من الإخوان المشاركين بحضور طائفة من المتخصصين في موضوع الندوة مما يحقق هدف التعارف والتفاهم والترابط بينهم مما يكون وعي ثقافي مستنير لدى المشاركين وصياغة أساليب ناجعة لعلاج المشاكل والقضايا المطروحة .
10-المؤسسات الخاصة:
تحرص الجماعة على إقامة العديد من المؤسسات الخاصة بها لتكون بمثابة محاضن لأفرادها يمارسون فيها نشاطهم وأعمالهم ويتربون فيها على النظام الذي يجسد أخلاق الإسلام من المحافظة على الصلاة والإحسان والتواضع والتعاون والإخاء والإيثار والجدية والإبداع والإنتاج والتدرب على الإدارة والقيادة ومهارات وخبرات في مجالات العمل المتخصص، إضافة لما تحققه تلك المؤسسات من الأهداف العامة للجماعة داخل المجتمع.
وتتنوع هذه المؤسسات لتشمل كافة مجالات الحياة، فمنها المؤسسات التعليمية والتربوية كالجامعات والمدارس والرياض، ومنها المعاهد العلمية والفكرية والمراكز الحقوقية والإعلامية والبحثية والمستشفيات والمراكز الصحية والنوادي الرياضية والكشفية والشركات التجارية والمشاريع الاستثمارية، والجمعيات الخيرية التي يختص بعضها بالفقراء والأيتام وبعضها بالمرضى والأسرى والشهداء وبعضها بذوي الاحتياجات الخاصة.
11- الكتل الطلابية والنقابية:
في كل قطاعات المجتمع نقابات للموظفين في الجامعات والمدارس وللمحامين والأطباء والممرضين والصحفيين والمحاسبين والسائقين والعمال والتجار وغيرهم وفي الجامعات والمعاهد والمدارس مجالس للطلاب.
وتعتبر الكتل الطلابية والنقابية محاضن تربوية، يتم فيها تجميع أفراد الجماعة وأنصارها في إطار واحد، ومن خلالها يتم تركيز الأهداف وتوجيه الأنشطة وتربية الأفراد على الفكر الإسلامي والسلوك القويم ، ويتم فيها تدريب الكوادر وتخريج القيادات الطلابية والنقابية, ولعل معظم قيادات الجماعة الحالية هم من خريجي هذا المحضن.
* وفي الختام:
لقد أثبتت الممارساتُ العملية لهذه الوسائل والمحاضن على مرِّ الزمن أنه لا بديلَ ولا غنى عنها، وأنها ما زالت صالحةً لتحقيق التربية السليمة والمتوازنة لأفراد الجماعة، وظهر أثرها العظيم في إعداد وتربية الأجيال المتعاقبة من حمَلة هذه الدعوة المباركة والعاملين المجاهدين من أجل نصرة هذا الدين الحق.
كما أن التعدد والتنوع في محاضن التربية ووسائلها لدى الجماعة يؤكد حرصها على الأخذ بأسباب التكامل في تربية الفرد المسلم وبناء شخصيته المتوازنة، ويؤكد إدراكها العميق للمنهج الصحيح الذي يجب أن تقوم عليه التربية الإسلامية.
التوصيات:
11- أن تبذل الجماعة غاية استطاعتها في إقامة هذه المحاضن وتنوعها ودعمها بسخاء وتشجيعها بشكل دائم وإطلاق الطاقات الشابة والعقول المبدعة باتجاه ذلك.
22- أن تجتهد الجماعة في ابتكار محاضن جديدة وأساليب حديثة ومؤسسات متخصصة ومتنوعة تغطي مجالات المجتمع ومناشطة كافة، وأن تستعين بالخبراء والمختصين في ذلك.
33- أن تحرص الجماعة على إشغال أفرادها وإلزامهم – كل حسب طاقته وحاجته وتخصصه- بالمشاركة في تلك المحاضن وعدم التخلف عنها، وأن يعطيها الفرد أولويةً قصوى في جدول أعماله، وأن يكيِّف ظروفه عليها، وعلى قيادة الجماعة متابعة ذلك.
44- أن تضع الجماعة مناهج وخطط شاملة بما يناسب تحقيق أعلى مستوى من الاستفادة من تلك المحاضن في إحسان بناء الأفراد وتكوينهم وتربيتهم، وأن تحرص على تطوير تلك الخطط والبرامج من حين لآخر.
55- أن تحرص الجماعة على إطلاع القائمين والمنظمين لتلك المحاضن على أهداف كل منها وخططها ومناهجها وبرامجها، ولوائحها التي تنظم العمل وتوزع المسئوليات واللجان وتضع الصلاحيات، حتى يكون العمل منظماً لا عفوياً وناضجاً لا مبتسراً.
66- أن تحرص الجماعة على إطلاع القائمين والمنظمين لتلك المحاضن على خلاصة النماذج والتجارب والخبرات والتوصيات السابقة للاستفادة منها قبل الشروع في العمل، حتى تتوفر كثير من الجهود ويتكامل العمل ويتطور قدماً إلى الأفضل.
77- أن تحرص الجماعة دوماً على الأخذ بالأساليب العلمية الحديثة في عملية التربية، والجمع بين الأصالة والتجديد وأن تستخدم لذلك وسائل متعددة بحيث تحقق كل وسيلة دورَها.
88- أن تراعي الجماعة في مناهج التربية الخاصة بتلك المحاضن بأن تنتج أجيالاً إخوانية ذات عقول قوية وسليمة، مجتهدة ومتفتحة، وليس عقولاً مصمتة، وذلك لكونها جماعة تؤمن بالاجتهاد والتجديد وإلزامية الشورى.
99- أنصح طبقة النقباء وكل من يكلف بتنظيم تلك المحاضن ومسئوليتها أن يدرس بإمعان كتاب: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين لمؤلفه الدكتور: علي عبد الحليم محمود.

د. محمد شهاب