أيها الجندي الساقط على التراب لأجل التراب
لو نزل الأجداد من السماء ليقبّلوا جبينك المضيء، لكنت تستحق ذلك!
كم أنت عظيم!
دمك الذي يحكي وينقذ التوحيد
أيها الشهيد ابن الشهيد.. لا تطلب منّي قبرا
ها هو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فاتح ذراعيه ينتظرك

بهذه الكلمات الخالدة وصف شاعر الاستقلال الأستاذ “محمد عاكف آرسوي” -رحمه الله- تلك الملحمة الخالدة في تاريخ الإسلام.

لقد كانت حلقة من أقسى الحلقات وأقواها في مسلسل الصراع بين الإسلام والكفر، وبين الحق والباطل، لقد انتصر المجاهد المسلم بقدمه الحافية وسكينه العارية على الأسطول البريطاني ومدافعه، ورماه في البحر.

ذلك اليوم الذي أعاد للأمة أمجاد بدر حطين وعين جالوت واليرموك وملاذكرد، يوم انتصرت القلة المؤمنة على جموع الكفر، فما هي هذه المعركة؟ وما الذي حصل فيها؟ وكيف استطاع الإنجليز -وقد منوا بمثل هذه الهزيمة- من دخول إسطنبول وإلغاء لغة القرآن منها، ومنع شعائر الإسلام عن أمة حاربت عن بكرة أبيها من أجل الإسلام؟

بداية..
في أثناء الحرب العالمية الأولى خطّط الحلفاء لاحتلال إسطنبول من البحر عن طرق البحر من جهة البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق “الدردنيل”، وتقدّم الأسطول البالغ عدده 16 سفينة مدرعة في صباح مثل هذا اليوم قبل 100 عام بالضبط، بعد أسبوعين تقريبا من القصف والهجمات المتكررة، هجموا بزخم كبير على أمل أن يحسموا المعركة.
واصطدمت سفنه بالألغام التي كانت زرعتها سفينة “نصرت” للألغام في ليلة ذلك اليوم، وقد قصفت مدافع الحلفاء مواقع العثمانيين بشدة حتى كادوا يحقّقوا انتصارا ساحقا على العثمانيين يومها، ولكن قدّر الله أن تتغير نتيجة المعركة على يد بطل واحد خرج من بين الأنقاض!

البطولات الفردية
العريف “سيد” هذا الاسم الذي يحفظه كل الأتراك..
وسيد علي هو الجندي المسؤول عن المدفعية في معقل “روملي” في شبه جزيرة “غاليبولي” الذي أصابه وابل القصف فتكسرت الرافعة التي تحمل القذائف، فما كان من الجندي سيد علي إلا أن حمل قذيفة بوزن 215 كيلوغراما على ظهره ووضعها في فوهة المدفع لتتسبب أولا في وقوع ومن ثم غرق سفينة فرنسية من أسطول التحالف الذي كان يرمي إبان الحرب العالمية الأولى إلى عبور مضيق جناق قلعة واحتلال شبه جزيرة غاليبولي ومن ثم احتلال العاصمة إسطنبول.

و بعد انتهاء المعركة فقد طلبوا من سيد علي حمل القذيفة التي يتجاوز وزنها الـ200 كيلو غراما من أجل تصويره فلم يستطع حملها، وصنعت من أجل الصورة قذيفة خشبية. وقال علي سيد: “لو حصلت معركة أخرى لحملتها.”

دروس في الإنسانية
وقع أحد الجنود الأستراليين جريحا بعد عملية الإنزال التي قام بها الحلفاء، وكانت المساحة الفاصلة بين متاريس كلا الطرفين هي بين 8- 10 أمتار فقط.
بدأ الجندي بالصراخ والاستنجاد، ولم يقم أحد من رفاقه بمساعدته. حينها قام أحد الجنود العثمانيين ورفع الراية البيضاء، ووصل إلى الجندي وحمله على ظهره، وضعه عند متاريس الحلفاء، ورجع إلى حيث كان!
بتلك الإنسانية والمروءة -حتى ولو كان الطرف المقابل عدوا أجنبيا يحتل بلادك- قابل المسلمون الحلفاء.
بحلول المساء انسحبت قوات الحلفاء بعد أن تكبدت الكثير من الخسائر.
كيف انتصرنا؟
على الرغم من أن عدد الشهداء المسلمين أكثر من عدد قتلى الحلفاء، إلا أن نتيجة المعركة كانت مستغربة عند الغرب؛ فبعض الشركات الغربية -ولتيقّنها من الانتصار- كانت قد بدأت بالفعل ببيع تذاكر رحلات سياحية إلى إسطنبول، وكان الجنود الإنجليز في رسائلهم إلى أهلهم يعدونهم أن يوم 20 آذار مارس سيكون الاحتفال في إسطنبول.

وقد استشهد في هذه المعركة ما يقارب 56 ألف جندي عثماني مع 11 جندي آخر مفقودين، أما الحلفاء فتشير حساباتهم إلى 50 ألف جندي من الحلفاء قتلوا في هذه المعركة.
أهمية المعركة
كانت هذه المعركة آخر انتصارات الدولة العثمانية، ولعلها صارت أيضا آخر معركة بين الإسلام والكفر بوضوح الرايات. كان كلا الطرفين يعلم أن المعركة معركة دين ومعتقدات، وأن من ينتصر في هذه المعركة سينتصر في الحرب كلها.
أسئلة عن الهزيمة
ولكن كيف هزمت تركيا في الحرب، وهي من انتصرت في معركة كهذه؟ وكيف استطاع الإنجليز دخول إسطنبول، وهم قد دفنوا الحرب في هذه المعركة؟ وكيف منعت اللغة العربية والعثمانية، وهي اللغة التي كان يهتف بها الجنود المحاربون في تلك المعركة؟
لعل هناك جوابا واضحا، أن هذه الحرب لم تحسم بالمدفع والنار، بل حسمت بالخيانة!