نظرات في مصارع الطغاة

بقلم / يسري المصري

“فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية” صدق ربنا في كتابه وأبدع في وصف مشهد زوال الطاغية فرعون؛ لتظل الآية خالدة مخلدة تقرأها الأجيال وتفقهها حتى قيام الساعة.

مع تعدد مظاهر الطغاة وأشكالهم، وتنوع مكرهم وفسادهم، لكن السمت واحد، والمدرسة الفرعونية باقية وممتدة.

إن مصارع الطغاة من مبشرات النصر، فيقيناً رحيل الظالم نعمة، فقد ورد أن الحسن البصري سجد شكراً لله عندما علم بوفاة الحجاج بن يوسف الثقفي، ولما كان الطغاة ورحيلهم تحولاً في المشهد الميداني عموماً، فكان لا بد من نظرات عقلية يكتبها القلم، ويسعد بها القلب.

النظرة الأولى

أن حلم الله على الظالمين وإن طال فمردهم إليه حتماً، وسيسوق لهم ظالمين من بني جلدتهم، فالظالم سيف من سيوف الله “به أنتقم ومنه أنتقم”، كما ورد في الأثر، والظالم مهما ظن أنه في عصمة من أمره وحماية ومنعة، فيأتيه المكر والفناء من مأمنه، وتلك سنن باقية وممتدة إلى يوم القيامة، والبغي عاقبة أمره الخسران والخزي في الدنيا وعذاب يوم القيامة.

النظرة الثانية

إن مكر الله بالظالمين حتمي الحدوث “ويمكرون ويمكر الله”؛ لذلك يسترسلون في ظلمهم، ظانين أنهم في نجاة، وأن هذا المكر من عوامل البقاء والاستمرار في الظلم وسيادة البشر، لكن يأبى الله إلا أن يذل من حاربه وعصاه، فينوب عن الفئة المؤمنة بالمكر؛ لأنه يعلم ضعفهم وقلة حيلتهم، وهنا درس عظيم، أن المظلومين إن ركنوا إلى ركن الله ففيه النصر، وإن تخلوا ولم يأخذوا بأسباب الحياة الكريمة طال هوانهم وذلهم، وتحكم في رقابهم الظالمون والطغاة مدداً غير منتهية الميقات والزمان.

النظرة الثالثة

أن الناظر في التاريخ يجد الظالمين مذكورين بكل مواقف الخسة والفضيحة والقدح، فالتاريخ لن يخلد إلا الأحرار الشرفاء الذين قدموا لدينهم وأوطانهم ومارسوا حياتهم بفهم وثبات ودور رسالي في تربية الأجيال، وتصحيح مسار أفكارهم وغرس القيم الناجحة.

أما القتلة والطواغيت فلا قيمة لهم، فآثارهم وجرائمهم وسفكهم للدماء التي ما زالت تنزف حتى الآن نتيجة تمدد هذه المدرسة الفرعونية كثيرة وكبيرة، وبلا شك لهم نصيب من الوزر والأثم كما لقابيل حتى الآن نصيب من الدم المسفوك.

النظرة الرابعة

أن غفلة المظلومين وطول سباتهم بدعوى أن صاحب الحق منتصر في نهاية المطاف هو سذاجة وهدية للظالمين إن استمروا في بغيكم وتجبركم ونحن سنظل ندعو عليكم فقط.

ولا أرى أن هذا التفكير “الغاندي” إلا عطل وغباء في غير محله، فالمرء مدعو بالسعي للحياة الكريمة غير الذليلة حتى وإن كانت كلفتها عالية، وإن تعذرت فبطن الأرض أولى بنا من ظهرها، لكن بعد السعي لكافة الأسباب والأخذ بها.

وعلى المظلوم أن يعي أنه وبالرغم من أن الله سيقتص له يوم القيامة من ظالمه، إلا أنه أيضاً مطالب بالسعي لتغيير المنكر ورد الظالم حتى ولو بقلبه، ويقيناً فإن الظلم أعظم المنكرات، فالله حرمه وجعله بيننا محرم.

النظرة الخامسة

أن الدعاة إلى الحرية والكرامة هم أصحاب رسالات وقدوات في طريق الحق والعدل، وبالتبعية فهم أتباع رسول الله وحملة لوائه من بعده؛ لذلك فالحذر كل الحذر أن يرخصوا فكرتهم ورسالتهم بعرض حقير من الدنيا الزائلة حتى ولو كان البريق سمته.

والقسم بسلامة المقصد سبيل ومنهاج، فالداعية رسول رسول الله، وغير مقبول أن يحيا الداعية فى صومعته دون أن يزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة توعية للشعوب، وإفهاماً لهم بخطورة الظلم وأهله.

النظرة الأخيرة

أن الطغاة مصيرهم محتوم ، وإن كنت أخي في شك، فاسأل فرعون عن غرقه، واسأل قارون عن خسفه، فالزوال هو نهاية المطاف رغم أنوفهم، ويد الله تعمل في الخفاء، فتزين للظالمين ظلمهم؛ ليزدادوا ظلماً وإثماً، والأمر كله يجري على عين الله، فهم غير مهملين بل هم ممهلون، ولهم ميقات آت سيقتص منهم في الدنيا قبل الآخرة، عندها تهدأ أمهات الشهداء، ويجف دمعهن، وتسكن قلوبهن، ويرتاح بالهن، ويرضين ولا يحزن، المهم ألا نتعجل نصر ربنا، ولا نيأس أو نستبعد مكر الله بالظالمين.

وها نحن كل يوم نرى جميل مكر الله بهم، واستدراجهم لنهايتهم رغم كل الحراسات والتدابير الأمنية، وكأن الله يوجه رسالة واقعية للمظلومين أن “ثقوا في مكر ربكم” وكفى.