علمتني غربتي أن أغتنم الوقت كله وأن لا أضيع ثانية في غير منفعة، فعمرك أيها الإنسان قصير جداً، وعجلة الزمان تجري دونما وقوف، فستنقضي الأيام وستمر السنون، حتى تقترب عجلة زمانك من وصول آخر الطريق، والإنسان الغافل لن يشعر باقتراب نهاية رحلته إلا بعد فوات الأوان، فيلتفت إلى الخلف، ويحاول الرجوع بالعجلة إلى الوراء، ولو لبضعة أمتار، ولكن هيهات هيهات!! فيحاول حينها أن يخفّف سرعة العجلة، ولن يستطيع، عندها ستقف العجلة، وِقفة لا حراك بعدها أبداً، لقد مات ابن آدم!!الإنسان العاقل هو الذي يقود عجلة زمانه ولا يجعلها تقوده، فإذا ما باتت نهايته قريبةً وقد رأى آخر الطريق، مضى في طريقه هادئاً مطمئناً واثقاً، فقد جدّ واجتهد، ولم يُضِع أوقاته دونما منفعة، فقد حان وقت الثواب والأجر، وهو لذلك يتوق أيّما توق.

كلما ازداد الإنسان علماً أو زادت مسؤولياته ازداد شعوره بأهمية الوقت، فبات يحرص عليه حرص الأم على رضيعها. اعلم أنّ اغتنام الإنسان لوقته من علامات رضى الله عنه، واعلم أنّ الواجبات أكثر من الأوقات، فاغتنم وقتك أيها الإنسان…

علمتني غربتي أن لا أحتكم إلى عقلي وحده في حكمي على الأمور أو اختياري للأشياء، فالعقل لا يستطيع بمفرده إطلاق الأحكام، والعقل يحلّل الأمور ويبني أحكامه على أساس علمه أو التجارب التي قد مر بها، ولكنه في ذلك يحتاج إلى القلب، لأنّ القلب بمقدوره فهم أمور ليس للعقل علمٌ بها، فالقلب دليل قوي للإنسان يستطيع من خلاله تمييز الأشياء واختيار أفضلها، والقلب الأبيض النقي لطالما كان شعلةً من نور تقود صاحبها إلى الخير.

البعض يزعم أنّ النساء هن اللاتي يحتكمن إلى قلوبهن، وأنه من العيب على الرجل أنْ يسأل قلبه!! وهذا زعم بعيد عن الحقيقة كل البعد، فعلى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، أن يحتكم إلى قلبه وعقله حتى يصل إلى القرار الأفضل، بل إن الإنسان العاطفي هو الأفضل في اتخاذ قراراته، الأنجح في حياته، وليس في ذلك دعوة مني الى العاطفية البحته، بل هي إشارة مني إلى أهمية إدخال القلب إلى حلبة الحياة حكما..القلب، الذي يحسبه البعض لا يعدو كونه عضلة بحجم القبضة، هو ذو قدرات خارقة، يستطيع المرء من خلاله أن يرى أشياءَ ما كان له أن يراها إلا بقلبه، فعيون القلب أكثر بصيرة وأقوى رؤية من عيون الوجه !! بالقلب يستطيع الإنسان أنْ يبصرَ من حوله ويشعر بهم، ويعرف ما يجري في أعماق أعماقهم