أيها الداعية ما لي أراك وقد دب اليأس في فؤادك ، وتسلل إلى جوارحك . فبعد أن كنت شعلة نشاط وهِمة ، توقد الحماس في قلوب مريديك وتيقظ الهمة في جوارح طلابك وتبث الأمل في ربوع الدنيا.
كنت كالنسمة لمن تلقاه ؛ يجالسك لحظات فيمتلئ قلبه بالأمل، واليقين وكأنك سحرته بجمال منطوقك ، وروعة بيانك ، وسلاسة أفكارك.
يرى جمال الدنيا في عينك ، ومستقبل الإسلام في كلماتك ؛ فينقلب عنك وقد تغيرت نظرته للحياة مشمرا عن سواعد الجِد والعمل لدين الله .
كانت كلماتك مفتاحها القرآن ، وبابها الحديث ، وساحتها سيرة النبي العدنان .
كنت تتكلم وكأنك تقلب صفحات القرآن لتبدأ بالبقرة لتتلوَ ( وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
وما تنفك حتى تذهب إلى آل عمران فترتل ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ )
وما أسرعك حينما تذهب إلى النساء تقرأ ( وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
وما تلبث إلا أن تذهب إلى المائدة فتردد ( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )
ثم الأنعام فتللو ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وهكذا حتى ترسو على شاطئ يوسف فتتزاحم معك الكلمات في بث الأمل والتفاؤل وتجريم اليأس والقنوط ( وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
ثم تبحر في مياه الرعد وابراهيم ، وغافر هناك حيث مؤمن آل فرعون الذي تحدى كل الدنيا وهو يكتم إيمانه ليدفع الأذى عن موسى ومن معه.
لتختم بالبروج حيث المهفوم الحقيقي لنصر الله ( فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ ) لتتحطم كل أدوات كيد اللأعداء على أسوار سورة الطارق (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ـ وَأَكِيدُ كَيْدًا ـ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا )
ثم تأخذ نصيبك من الأحاديث النبوية لتقف بهم عند حديث النبي ﷺ ( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مدر ولَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ ) وغيره من أحاديث النصر والتمكين
وسريعا تقلب صفحات السيرة النبوية التي اكتظت بقصص أشبه ما يكون بضرب خيال تحولت إلى واقع ملموس.
فكيف برسول الله ﷺ يدخل مكة في جوار كافر بعد أن طُرد من الطائف وما هي إلا سنوات وتدين له العرب والعجم
وضعفاء المسلمين الذين لاقو ما لاقوا من صنوف التعذيب والتنكيل يصبحوا قادة الأمم ويعتلوا عروش كسرى وقيصر .
فحنينك على نفسك أيها الداعية قرآن ربنا بين يديك تكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة وكل مافيه حق (وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وسنة نبيه وسيرته باقية ما بقية الزمان.
تبقى لك فقط يا داعية الخير
أن تنفض عنك هذا الغبار العارض عليك فتعود من جديد تبث الأمل والتفاؤل في قلبك وقلوب من حولك ، فالأمة أحوج ما تكون لك الآن ، ولن تستيقظ الأمة إلا بك ، ولن يعود مجدها إلا على يديك أنت ، ولاتنسى أنَّ من سبقك في طريق الدعوة قد سطرها (لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد) .
الكاتب : منصة ومضات
تنير الدروب