أبو مازن “الصوت الساحر” .. حوار من القلب
قال لي :
– أنا من مواليد 1952م.
نظرت إليه نظرة تعجب وتساؤل، فابتسم ..
ولولا شعيرات بيضاء في رأسه ما صَدَّقت ..
شابٌ يتوقَّد حماسًا، تتضح في ملامحه تلك السمات الشامية؛ البشرة البيضاء، والوجه المثلث، والأنف المُدَبَّب ..
ليس بالطويل ولا القصير، معتدل القامة، رياضي الجسم .. في الخمسين من عمره.
هذا هو المهندس (رضوان) الذي عرفه الشباب المسلم في أوائل الثمانينات باسم
(أبو مازن)، واشتهر الاسم وتردَّد مع دُرَرِ الشعر العربي التي غَنَّاها على شرائطه التسعة، والمشهورة باسم (أناشيد أبي مازن).
قلت له:
ـ ملحمة الدعوة، قصة شهيد، أخي أنت حر، آنست نور الله…
متى تَمَّ إنتاج هذه المجموعة؟
قال:
– في الثانوية، انتهت هذه المجموعة بالكامل في عام 1970م.
قلتُ وأنا أخفي دهشتي:
– كان عندك ثماني عشرة سنة؟!
قال في ابتسامة يملؤها الخجل:
– نعم، تقريبًا.
– ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا لم تسجِّل أي أناشيد؟!!
– مرت بنا ظروف صعبة، وداهمتنا مِحَنٌ شديدة أثَّرت على نشاط المساجد كلها. نسأل الله الثبات.
قلت له: آمين.
ونظرت إليه أستزيد، فقال:
– جمعتُ كلَّ الكتب التي احتوت على الأشعار، ووضعتها في مكان من بيتي .. كنت أعتبرها كنـزي الثمين، وكان يعتبرها النظام حينئذ ممنوعات .. تصوَّر؛ بنيت عليها جدارًا مِنَ الأحجار لأخفيها.
رأيت الأسف في عينه وهو يقول:
– ثُمَّ باع أهلي البيت، وهدموا المكان، ووجدوا الكتب فوزعوها في أماكن متفرقة.
– فقلت: كان هذا في عام …
قال: 1980م.
– وعمرك عندها حوالي ثمانية وعشرين عامًا.
عشر سنين محنة، ثُمَّ منذ الثمانينات وحتى اليوم اثنين وعشرين عامًا.. أين أبو مازن المنشد؟
ـ لم أكن أدري مصير هذه الشرائط، ولم أكن أعلم أنها انتشرت على مستوى كبير هكذا إلا منذ سنتين، وحمدتُ الله أن الصوت وصل إلى الناس.
ابتسمت معاتبًا على هروبه من سؤالي، فقال في حياء شديد:
– لم أشأ أن أسجل أناشيد ليقال: إن هذا أبو مازن..
كنا نسجل الأناشيد كنوع من التربية؛ كان هناك برنامج ومنهج لتربية الشباب في هذا الوقت، والنشيد جزء منه، ولَمَّا ابتعدنا لم يكن هناك داع، وشعرت أنني لو سجلت مرة أخرى فإنه لا نِيَّةَ لي.
قلت في دهشة:
ـ لا نية لك؟!! ولمدة اثنين وعشرين عامًا لم تجد فيها نية؟!
ـ وجدتها منذ سنتين عندما عرض عليَّ بعضُ الشباب أن أنشد قصيدة عن القدس .. ولحنتها وأنشدتها.
– شعرت بأنه غير سعيد بالحديث عن هذا الماضي، وكان حريصًا كلَّ الحرص على ألا يظهر كما نراه نحن أو كما نعلم عنه … كان كثير الحديث عن النية والشهرة وضياع الأجر.
– في أول حديثي معه كان ممتنعًا بشدة، وقال في انفعال هادئ:
ـ ما الفائدة من عمل حوار أو حديث معي، والسؤال عن اسمي وعائلتي، وعدد أولادي،
وابتسم وهو يقول: وماذا آكل، وماذا أشرب؟!
شاركته الابتسام، ولكنه عاد إلى انفعاله وقال:
– أظن لا فائدة، المهم أن هناك صوت بين الناس .. الشرائط تكفي … ولا داعي أن تضيع أجورُ أعمالنا.
شاركته انفعاله رافضًا وجهة نظره، وقلت:
ـ يا أستاذي: أنتَ لستَ مِلكَ نفسك الآن، أنت رائد الأنشودة الإسلامية ، لقد كانت شرائط أبي مازن أول ما سمعنا كتجربة وُلِدَتْ عملاقة.
قاطعني:
ـ لم أكن الأول، أنا سمعت أناشيد ومنشدين قبلي ..
أردت أن أقاطعه، ولكنه لم يعطني الفرصة.
ـ قد تكون شرائطي أكثر حَظًّا في الانتشار، المهم أنها موجودة الآن بين أيديكم..
قلت له :
ـ هل ترضيك تلك الأساطير التي نُسِجَتْ حولك؟! ما من أحد يعلم أنك حي إلا ويفتح فمه دهشة.
عاد إلى هدوئه وقال:
ـ لا يرضيني هذا، ولا ترضيني الدعاية التي لا داعي لها.
قلت له:
– تتميز شرائط أبي مازن وأناشيده بالانتقاء الجيد للكلمات، وكثير من أساتذتنا ما كنا نعرف شعرهم إلا بعد أن سمعناه في شرائط أبي مازن …
(مسلمون) للشيخ يوسف القرضاوي ، (الصين لنا) لمحمد إقبال، (أخي أنت حر) لسيد قطب، وهاشم الرفاعي ، ويوسف العظم، ومصطفي حمام، وغيرهم ..
قال:
– كنت أنتقي من المجلات الدورية التي كانت تصدر في العالم الإسلامي وتصل إلينا، وكانت هناك مجلة لبنانية، الحقيقة كانت أكبر زاد لي، ثم بدأت أفتح كتب الشعر وأنتقي منها..
وكانت هناك قصائد جميلة ولكن وقفتْ أمامي عند التلحين فأجلتها بعض الوقت.
ـ والشيخ إبراهيم عزت رحمه الله ؟
وكأني نثرتُ عليه نفحة من عطر، عندما برقت عيناه بشدة وهو ينظر إليَّ في عاطفة لم أجدها منه منذ بداية لقائنا.
قال:
– تصوَّر .. لم أكن أعلم اسمه، ولا أعرف أنه شيخ وخطيب إلا منذ سنتين.
شاركته عاطفته وقلت:
– العجيب أن الناس لا يعرفون -أيضًا- أن تلك القصائد الجميلة التي تناثرت في شرائطك التسعة هي من تأليف الشيخ إبراهيم عزت، وعلى رأسها تلك الروائع: (ملحمة الدعوة)، و (اليوم عيد)، و (مصعب بن عمير)، و (حبيـبتي بلادي).
قال:
ـ و(الله أكبر).
قلت:
ـ ما أروعه وهو يُدَوِّي بها قائلاً:
الله أكبر بسم الله مجراها
الله أكبر بالتَّقـوى سنرسـيهــــا
الله أكبر قولوها بلا وَجَلٍ
زيِّنوا القلبَ مِن مغزى معـانيهــــا
وأخذ أبو مازن يردد معي:
إن لم نردها لدين الله عاصفة
سندفع العِرْضُ بعد الأرضِ نعطيها
قام من مقعده، ومَدَّ يده ليخرج كتابًا صغير الحجم مصوَّرًا، وأعطاه لي وقال:
– هذا ديوانه.
قرأت على الغلاف:
– (حبيبتي بلادي) شعر إبراهيم عزت سليمان.
نظرت إليه متسائلاً، فأنا أعلم أن ديوان الشيخ إبراهيم اسمه (الله أكبر).
قال وكأنه قرأ سؤالي في عيني:
ـ لقد اجتهد مَنْ صوَّروه ووضعوا على غلافه عنوان: (حبيبتي بلادي)، ولكن اسمه الذي اختاره له الشيخ هو (الله أكبر).
قلت وكأنني أهاديه:
– عندي كتاب باسم (الشيخ إبراهيم عزت حياته وشعره) تأليف د. حسن عبد السلام، أخذته من أسرة الشيخ -رحمه الله- وشريط فيديو مسجل لحلقات تليفزيونية له، وأكثر من ثلاثمائة شريط لخطب الجمعة التي كان يلقيها بمسجد أنس بن مالك بالمهندسين بالجيزة.
نظر إليَّ وكان عندي أكبر مِنْ أَنْ يطلب ..
فقلت بسرعة:
– سوف أحضر كل ذلك لك.
قال وقد دَبَّ النشاط به:
ـ كنت أنوي غناء كل قصائد الديوان، الحقيقية لقد أوجد إبراهيم عزت عندي عقدة؛ فلم أعد أتذوق الكثير من الشعر بسبب قراءتي وحبي لشعره.
وكأني تعلقت بشعاع أمل، فقلت له بسرعة:
ـ إذا فسنسمع لأبي مازن أناشيد جديدة.
قال مبتسمًا:
ـ هناك فكرة إعادة الشرائط التسعة بإمكانيات أفضل؛ فأنا استمعت إليها ووجدت فيها مشاكل كثيرة..
ولم أعلم معنى ابتسامته إلا حين قال:
– كنا نسجِّل بإمكانيات بسيطة جدًّا، وكان الشريط عندما يخرج يسجل هذا نسخة وهذا نسخة مِنْ نسخة، وفي كل مرحلة يضعف التسجيل فيها، حتى أصبح ضعيفًا جدًّا، ونفكر الآن في أن نعيد الشرائط مرة أخرى.
استفزني كلامه كباحث أدواته التوثيق، فقلت له:
ـ المهم أن لا تتغير عن القديمة .. لا صوتًا ولا لَحْنًا ولا كلمات.
قال في جِدِّيَّة:
ـ لا، مجرد استخدام الوسائل الجديدة في عرض المؤثرات.
مثلاً في قصيدة (امرأة الشهيد)، هذه الصيحات التي تتردد كانت بسيطة جدًّا.
قلت له بسرعة:
ـ وكانت مُعَبِّرة أيضًا عندما يقول الشاعر:
“هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبة”…… فيرد الكورال بصيحات قوية
“صيغة وقائعها على جُدُرٍ مضرجة رهيبة” … فيرد بنفس الصيحات.
قال لي:
– هذه الصيحات مستمدة فكرتها من سيمفونية الجيش الأحمر، والتي تعبر بشدة عن الإرهاب، فكل ما أريده أن تخرج بإمكانيات أفضل.
قلتُ له متأسِّفاً:
– الحقيقة أن شرائط أبو مازن التسعة تعتبر تراثًا، والذي يحفظ للتراث أصالته المحافظة عليه كما هو بلا تغيير؛ ليكون مصدرًا جيدًا لاستنباط واستلهام مَنْ سيأتي بعد..
وما حدث في الشرائط عندما أنتجتها إحدى الشركات في (ألبوم) أنيق أنهم غيروا وبدلوا في الترتيب، بل وأوجدوا شريطًا عاشرًا اسمه (نشيد الكتائب)، وهو تجميع لأناشيد من الشرائط، ولم يشيروا إلى ذلك، بل وحذفوا أكثر من قصيدة؛ مثل: (أخي أنت حر)، وَلَمَّا ناقشتهم كان الرد هو الترخيص.
ثم كان سؤالي الذي ينتظره الجميع:
ـ ترى هل تعود؟ هل تعود للطريق؟
ابتسم وهو ينظر إليَّ نظرة ذات مغزى، وقال:
ـ عائد أنا إلى الطريق.
قلت له بجدية:
ـ ولكن عندي اعتراض ..
انتبه بشدة، فقلت:
ـ كانت القصائد -أو أقول معظمها- التي اخترتها وأنت في سن الثمانية عشر، وفي ظلال العمل الإسلامي المطارد، الواقع تحت مقصلة المحنة كلها تُعَبِّر عن واقع أعتقد أن الدعوة الإسلامية قد عَبَرَتْهُ، على الرغم من أن هناك بقايا محن متناثرة ..
إن (ملحمة الدعوة)، و(قصة شهيد)، و(امرأة الشهيد)، و(لكِ اللهُ يا دعوةَ الخالدين) وغيرها، هي قصائد تُعَبِّر عن مرحلة زمنية، فهل تفكر إلى جانب ذلك في نشيد يعبر عن واقعنا، ويكون النشيد ترجمة لمفردات الدعوة في العصر الحديث.
نظر إليَّ بفهم، ولكنه يستزيد ..
قلت له:
– مثلاً: نريد نشيد عن القيم التي يريدها الإسلام للناس، قيم على مستوى الفرد والأسرة والجماعة؛ قيم النظافة والنظام والعلاقات السويَّة، قيم الأمانة واحترام الكبير، قيم حب الوطن والرغبة في عودة العزة والكرامة للمسلمين، كل هذه القيم نريدها وأكثر.
ابتسمت وأنا أقول له:
– نريد إعلاء قيمة الحب.
فتح ديوان الشيخ إبراهيم عزت وهو ينظر إليَّ ويقول:
– كأنك قلت هذا الكلام للشيخ إبراهيم -رحمه الله- عندما كتب هذه القصيدة .. وكأني سمعته منك وأنا أختارها لألحنها وأغنيها إن شاء الله.
انتبهت بكل ذرة في جسدي وأنا أريد أن أقتنص الديوان منه؛ لأعلم هذه القصيدة.
قال لي وهو يعطيني الديوان:
ـ قصيدة: (خِطْبَةُ مسلم)
وأخذتُ ألْتَهِمُ الأبياتِ بعيني وأنا أسمعه كأنه يُعَلِّق على ما أقرأ؛ قال:
– عجيبة هذه القصيدة؛ إنه يُعَبِّر عن أحاسيسنا جميعًا في مرحلة الشباب عندما ذهبنا لخطبة فتاة لتكون زوجة لنا، إنه قرأ كلَّ ما يدور في أحلامنا وسجلها بلفظ جميل.
بدأت أرفع صوتي بآبيات في القصيدة:
نعم، أعشقُ الوَصْلَ بعد الرضا … وأسبحُ في روضةٍ وأنعم
وأبدي الرَّغائِبَ مَشْبُويةً … طواها الحبُّ فلا تُضْرَمُ
قال مقاطعاً:
– أنظر إليه يتحدث عن الغريب .. مَنْ هذا الغريب؟
بدأت أقرأ ..
وفي الدربِ هَمْسٌ بلا تقبُّلِالوصل … لأنَّ الغريبَ هنا يَحْرُمُ
لأنَّا بَسَطْنَا شراعَ الضياءِ … فَصَاحَ الجَبَابِرُ أَنِ اظلموا
ويهتفُ أنَّ باطلٌ سَعيَكُم … فتصرخُ أصواتُهُم حَطِّمُوا
فَمَا لَكِ هِمْتِ بهذا الغريبِ .. وهل تحلمينَ بالذي يِعْزِمُ
وعدنا معًا من أَسْرِ إبراهيم عزت الشاعر الذي يهواه أبو مازن، والشيخ الذي أُحِبُّه وأدين له بالكثير.
وقلت له:
ـ للشاعر هاشم الرفاعي قصيدة رائعة في ديوانه حول نفس المعنى، يقول في مطلعها:
تُسَائِلُنِي مَنِ الجَانِي … عَلَى قَلْبِي وَوِجْدَانِي
وَمَنْ مِنَّا الذي خَانَ … عَنْ قَصْدٍ هَوَى الثَّانِي
إنها تدور حول المعاني نفسها، وسوف أبحث عنها؛ لأرسلها لك إن شاء الله.
وفاجأته بسؤالي مداعبًا:
ـ تُرَى كم عدد أولادك يا باشمهندس رضوان؟
ابتسم في عتاب وقال:
– أربع بنات.
ابتسمت بشدة فنظر إليَّ متسائلاً ..
قلت له:
ـ أنا عندي ثلاث بنات، والرابعة في الطريق إن شاء الله.
وزاد الحديث بيننا دفئًا، ووعدني أن يستمر حوارنا من القلب وإلى القلب..
عرفته في أول الطريق … صوتًا يأتي من قريب … أحببته … كان زاد المسافر وأنس الغريب…
عشرون عامًا أسمعه ولا يسمعني، أشعر بفيض الحب يَفِيضُ في كلماته من قلبه، فيروي قلبي:
“أحباب ديني … إخوتي … إخواني… إخواني
كالشمعة
تبكي وتحرق نفسها…… في لهفة للدعوة”
ثم التقينا… وفي لحظة لم تتعدَ اللحظة كان التلاقي والحب لغة واحدة، وهَمٌّ واحد، وكأني أعرفه منذ عشرين سنة، وكأنه يعرفني من حينها …
لم تقوَ الأكف على الافتراق زمنًا وأنا أهز يده ويهز يدي، وكان آخر ما بيننا عند الفراق ابتسامة لا يستطيع أحدٌ أن يترجِمَ ما تحمله من معاني.
قلت له: إلى اللقاء.
لم يزدْ على أن ابتسم ..
مسحتُ دمعة تساقطت على خدِّي وأنا أقود سيارتي مبتعدًا عنه، وهو يلوِّح بكفه، وسمعته بملأ وجداني يجلجل صوته، وتملأ صورته بجوار صورة الشيخ إبراهيم عزت -رحمة الله عليه- كلَّ فراغ الأسى في نفسي …
حبيبتي بلادي
نسيتُ في موائد الثناء
سيدًا يعشق الفداء
الموت عنده حياة
أحب دائماً أن تُرْفَعَ الجباه
أحب أن يراك مسجداً مقدَّساً ثَرَاه
شغلت عنه بالبريق
من سيطفئ الحريق غيره
ومن سيمسح الجراح إن جهلت سِرَّه؟
حبيبتي بلادي
قد كنتُ أصنع الكلامَ مِنْ دمي
وكنت أعزف النشيد هامسًا
لعله إلى الفؤاد ينتمي
وكنت أكتبُ الحروفَ واحدًا فواحدًا
لتقرئي .. لتفهمي
وكنتِ يا حبيبتي وكنتِ
والآن يا حبيبتي
لن أكمل الحديث
وإن بدا مُشَوَّقًا
فليس ما أريده إثارة الطَرَب
أو أن تحرِّكي الشفاه من دلائل العجب
ولن أُتِمَّ يا حبيبتي النغم
فقد رأيت ما يُحَرِّم النشيد ألف عام
فصرت كلما بدأت بالغناء
أجهشت في البكاء
أجهشت بالبكاء
حبيبتي
ولم تـزل في أفقنا بقيةٌ مِنَ الرَّجاء
حَطِّمي قيوده
لتحتمي بِسِرْبِه
لتصنعي حياتنا به
لتسمعي دعاءه .. بكاءه
يستمطر السماء زَادَه.. ونَصْرَه
ويستغيثُ رَبَّه
فحطمي قيوده…
والتفتُّ إليهما وأنا أرى دمعات سالت على وجنـتيهما، ولكن ابتسامة من شفتي الشيخ إبراهيم عزت كأنها مسحت الدموع من عيوننا ..
وسألت أبا مازن في نفسي:
وبعد
وبعد ما رأيت ما رأيت
هل تعود للطريق؟ .. هل تعود؟
واهتز قلبي الذي قد هَدَّه العذابْ
أحسست رعشةً بجسمي الذي يخاف غضبةَ الكلابْ
وجاء ضعفي الكئيب جاءْ
عرفته في كلِّ لحظة مِنَ الضَّنَى قد عشتها
أَتَى يقدِّمُ الرَّجَاءْ
تعلقت عيناه بالجوابْ
يا تُرَى، .. وبعد
هل تعود ؟… هل تعود؟
وسمعت هتافه الدافئ وأنا أنطلق في طريقي:
“عائد أنا من حيث أتيت
عائد أنا لمسجدي
عائد إلى الصلاة والركوع والسجود
عائد إلى الطريق خلف أحمدَ الرسول
أطلق الخُطَى حزينةً في إِثْرِه
عرفت قصة الطريق كلها
وعائد أنا برغمهما
كالفجر … كالصباح … مُقْدِمٌ وباسم
والخطو كالرياح عاصف وعارم”