أخي الحبيب:
ليس من قبيل التسكين أن يقول قائد الدعوة في وسط المحنة هذه المقولة النورانية: “أردناها دولة وأرادها الله خلافة” فهي ليست تخديراً للأعصاب، ولا تسكيناً للجروح، ولا تطييباً للخواطر، ولا تزييفاً للوعي، ولا ضحكاً علي الناس، ولكنها ثقة في وعد الله الذي لا يتخلف، وطمأنينة إلي قدر الله العليم الخبير، ويقيناً بأن اختيار الله تعالي لنا أفضل وأحكم من اختيارنا لأنفسنا، وإيماناً راسخاً بأن المستقبل للإسلام مهما كانت التحديات، وأن العاقبة للمتقين وإن رأي الناس أن الواقع ضدهم، وأن البوار والخسران مصير الظالمين المعتدين وإن رآهم الناس مسيطرين متمكنين﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55) ولعل من اللطائف أن تأتي هذه الآية في سورة النور، وهي بمثابة النور الذي يبدد ظلمات الشك والريبة، والنور الذي تنجلي معه ظلمات المحنة، عن ثقة المؤمنين ويقينهم في رب العالمين.
أخي الحبيب: لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم عن مشاهد أيامنا هذه، وعن المراحل التي تمر بها الأمة الإسلامية، وعن طبيعة الحكم فيها ومدي قربه وبعده عن منهج الإسلام وعدالة السماء فيقول: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ, ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا, ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ , فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ, ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا , ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ , ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا, ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ , ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا, ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ , ثُمَّ سَكَتَ »(رواه أحمد وصححه الألباني) وهذا وعد صدق لا يتطرق إليه الشك، وكلنا يقين أن يوم الإسلام قادم، وأن اليوم الذي تتجمع فيه الأمة تحت راية هذه الخلافة الراشدة أضحي أقرب من أي وقت مضي، وإن كان الطريق ما يزال طويلاً، والتضحيات المطلوبة عظيمة، والجهود المطلوبة كبيرة، والثمن المطلوب غالياً . فما هدم في قرون لا يبني في سنوات قليلة، ولم تكن أمتنا أكثر يقظة منها اليوم، وإن كانت تحتاج إلي مزيد من الإيقاظ، فهي تغلي برفض الظلم في كل مكان عبر الجغرافيا الإسلامية الممتدة، وقدمت في هذا العقد وحده مئات الآلاف من الشهداء، في سبيل التحرر من ربقة المستعمرين ووكلائهم. وما زالت تضحي، وما زالت المعركة دائرة، وما زال الأمل معقوداً علي استمرار الأمة في المقاومة حتي يحقق الله وعده. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51).
أخي الحبيب: لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبشر أصحابه وهم في مكة بأنهم سيملكون فارس والروم، ولم يكن بذلك يخدعم أو يدغدغ مشاعرهم، حاشاه صلي الله عليه وسلم. عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَاوَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»(رواه مسلم) وعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ قَالَ: عَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ، قَالَ: وَضَعَ ثَوْبَهُ فَضَرَبَ ضَرْبَةً، وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ»، فَكَسَرَ ثُلُثَ الصَّخْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى قُصُورِهَا الْحُمْرِ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ»، وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثُهَا، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى الْمَدَائِنِ وَقَصْرِهَا الْأَبْيَضِ مِنْ مَكَانِي هَذَا»، ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ»، وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مَفَاتِيحِ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا»(حسنه ابن حجر العسقلاني في الفتح).
أخي الحبيب: إن مطالبة القائد لجنوده بالصبر علي الواقع المؤلم حتي يأتي الله بالفرج ليس قسوة عليهم، ولا استخفافاً بآلامهم، ولا إنكاراً لشدة المحنة عليهم، وليس مرده عدم الإحساس بهم، والشعور بحالهم، ولكنه تأكيد لحقيقة من حقائق الصراع بين الحق والباطل، وتأكيد لملمح أساسي من ملامح طريق الدعوة وطبيعته، وترسيخاً للقانون الإلهي المطرد والسنة الثابتة في التدافع بين الخير والشر، وبين أهل الحق وأهل الباطل. عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(رواه البخاري). وما أيسر أن يدعو الرسول فيستجيب الله تعالي، ولكن هذا يتناقض مع سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ولا تجامل ولا تحابي ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت: 2 – 6). ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: من الآية 251)﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40).
أخي الحبيب: كن علي ثقة أن وعد الله سيتحقق، وأن نصره آت لا محالة، فلا تحجبه عن بصيرتك سحب الواقع الكئيب، فإذا أراد الله أمراً وقع، ولا راد لحكمه وقضائه، ولا مستقبل لمن يعلن الحرب عليه سبحانه، فكل الأنظمة والحكومات التي تعادي حكم والله وشريعته وتحارب القرآ ن والسنة إلي زوال، وكل الخطط التي يضعها أعداء الله تعالي للكيد لهذه الأمة ستذهب هباء، وتأمل قول الله في أسلاف لهم: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (النمل: 50 – 52) وماذا يفع لهؤلاء مع النور الذي يريد الله له أن يغمر العالمين: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 32 – 33). ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (الصف: 8- 9) وإذا استخدم أعداء الإسلام وكلاء لهم من بني جلدتنا للقيام بهذه المهام كما هو الواقع الآن فإن الجميع سيهزم ويولي الأدبار، لأن حربهم الأساسية مع الله تعالي أولاً، وما نحن إلا جند من جند يستعملنا حيث يريد ويحقق بنا قدره المحتوم، وقانونه الخالد وناموسه الذي لا ينخرم، ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 106 )
والله أكبر ولله الحمد.
واجبات عملية:
تحدث مع زوجتك وأولادك وجيرانك وأصحابك عن حقيقة أن المستقبل للإسلام.
بشر الناس بحديث النبي صلي الله عليه وسلم الذي يؤكد عودة الخلافة الراشدة.
راجع بعض دروس السيرة النبوية لتتعرف أكثر علي منهج الرسول صلي الله عليه وسلم في غرس خلق الاستعلاء علي المحنة.