إن من بين الإخوان أخ كالدواء ؛ في حضوره إفادة ، وفي كلامه نفع ورشاد ، وفي نصحه إخلاص وصدق ، يجالسك كنسيم الربيع تشتم منه ريح الطيب ، وتأنس لكلماته وكأنها بلسم نزل على الجرح ، يطمئن على أحوالك بشفقة الأب وحنان الأخ ، أول ما يسألك عنه هو حالك مع الله ومدى قربك منه وكم مجالستك لقرآنه وكأنه يعطيك سر الهداية والتوفيق، ثم يسأل عن أحولك وأبناءك وكأنه ما انفك عن التفكير فيك ، يعرض عليك المساعدة وكأنه يملك كنوز الدنيا ،يخفف عنك آلامك وكأنه لا يعاني من أي آلام أو هموم ، يتجنب ما يؤذيك فلا يقترب منه ويهتم بما يسعدك فيسلط الضوء عليه ،حريص على الأخذ بيديك لطاعة الله آمراً بمعروف أو ناهياً عن منكر، لا يذكر أحداً بسوء يحفظ غيبة إخوانه ولا يخوض في ما لا يعنيه، حريص على وقت غيره، خفيف الظل جميل المنطق تفرح لقدومه وتحزن لفراقه.
في مثل هذا وأمثاله قال رسول الله ﷺ ” إنَّ من الناسِ ناسًا مفاتيحَ للخيرِ ، مغاليقَ للشرِّ ، و إنَّ من الناسِ ناسًا مفاتيحَ للشرِّ ، مغاليقَ للخيرِ ، فطوبى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيْه ، و ويلٌ لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الشرِّ على يدَيْه“
ولمثل هؤلاء الأمة تحتاج إليهم والأفراد يشتاقون لهم.
ففي ظل تكالب الدنيا وصعوبة الحياة وكثرة الهموم وندرة المصلحين وقلة المتواضعين وانتشار الأنا وحب النفس؛ ما أحوجنا لهولاء الذين جعل الله في أيديهم مفاتيح الخير ينشرون الخير بين الناس ويطوفون على إخوانهم يخففون من آلامهم ويُدخلون الطمأنينة في قلوبهم ويرسمون السعادة على وجوههم .
ما أحوجنا لمثل هؤلاء الذين جعل الله مغاليق الشر في أيديهم فعلى أيديهم تموت البدع ويقل الفساد وتغيب الغيبة والنميمة وتنعدم الأنا وحب الذات لا يرضون أن يُغتاب أحدا في حضورهم ولا يسكتون على نقص من الدين ولو على حساب أنفسهم وراحتهم .
ما أحوجنا لمثل هؤلاء الذين أخذوا منهجهم من حديث الرسول ﷺ ( أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ﷺ: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام )
فما أجمل أن تجد أخ من هؤلاء تستشعر معه روح الأخوة وتتذوق في رحابه حلاوة الإيمان. والأجمل من ذلك أن تتغلب أنت على أوجاعك وأحزانك فتكون أنت هذا الأخ البلسم الذي يداوي جروح إخوانه وتكون هذا الأخ الذي جعل الله مفاتيح الخير في يديه فتنعم بخير الدنيا والآخرة .