احفظ نفسك بذكر الله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد…
فما شرع الله لعباده من حكم إلا وهو يدعوهم للعمل به على قدر طاقتهم، ونهاهم عن المغالاة (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..) (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وفي الحديث (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ) و (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) وفي الحديث كذلك (اكفوا من العمل ما تطيقون …)
وغير هذا كثير معلوم غير أن الحق لما أمر بذكره كرر دائماَ الأمر بالكثرة ( واذكروا الله) و دعا إلى الذكر بعد العبادات (فإذا قضيت الصلاة ….) ولايوجد عمل من الأعمال، ولا حال من الأحوال التي يتقلب فيها العبد إلا وشرع له ذكر مناسب، في طرفي النهار وعند النوم وعند الإستيقاظ وعند الطعام وعند الشدة وعند الكرب، وعند النعمة والفرج ، بل ما من حال كوني إلا وشرع له ذكر مناسب، عند احتباس الغيث، وعند نزول المطر وعند حصول البرق وعند سماع الرعد وعند هبوب الرياح وعند رؤية النعم والزروع وغيرها….
فضلاَ عن الأمر بالذكر المطلق الذي لايرتبط بشيء من أحوال الإنسان أو أحوال الكون، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ويدعو ربه ” اللهم اجعلني لك ذكاراَ ” أي كثير الذكر لا يدعو للإقتصاد في الذكر كباقي التكاليف ، بل يقول ” أكثروا من ذكر الله حتى يقول الناس مجنون ” ويقول ” سبق المفردون، ثلاثاَ ، قالوا وما المفردون؟ قال الذاكرون الله كثيراَ والذاكرات ”
بل يقدم كثرة الذكر على سائر الأعمال العظيمة فيقول صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها إلى مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال : ذكر الله ” .
فالذكر وإن كان سهلاَ خفيف المؤنة قليل الكلفة لكنه أحب إلى الله من كل ما سواه ” كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن ! سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ”
وبركات هذا العمل الخفيف أعظم من أن تحصر، ومن أجلِها :
– أن الذاكر يتأهل بذكره أن يكون مذكوراَ عند خالقه ” فاذكروني أذكركم ” ويضع نفسه بالذكر في معية مولاه ” أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ” فإذا ذكرك الله فياترى بأيِ شيئ يذكرك ؟ أبإسباغ نعمة؟ أم بدفع شرور الخلق؟ أم بإشهاد الملائكة على مغفرة ذنبك ؟ أم بإجابة دعائك ؟ أم بكل هذا وأكثر منه .
وإذا كان معك الله فمن تخشى ؟ وفيمن ترجو؟ وبمن تحتاج للتعلق به؟ وبمن تتقوى على عدوك الرجيم ؟ وهل ينال منك الشيطان وقد تحصنت بمعية الرحمن؟ وهل يملك الخلق من أمرك شيئاَ وأنت في جوار الخلاق العليم ؟ .
ما أجمل ما قال بعض السلف ” أول منازل القوم “اذكروا الله كثيراَ وسبحوه بكرة وأصيلا ” وأوسطها ” هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا” وآخرها ” تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا” فهل لك في تحصيل هذه المنازل المترتب آخرها على أولاها ؟ والموصل مبدؤها إلى منتهاها ؟ .
إن من أعظم العون على هموم الدنيا وأثقالها هو شغل اللسان بتلك الأوراد والمأثورات مع حضور القلب وتدبره في معانيها، فتنجلى الهموم بالذكر كما ينجلي الصدأ عن المرآة فتعود إلى صفائها ونقائها وتعود للقلب قوته وحياته بهذا الذكر فلا ينهار العبد أمام الشدة، ولا ينثني لرياح الفتنة، ولا يستذله الشياطين من الإنس والجن بأي إغواء أو إغراء .
وسواء بدأت الذكر باللسان استمر فيه حتى يحضرالقلب أو حرصت على سرقة حضور القلب مع ابتداء الذكر فكل ذلك خير، المهم أن تدرب نفسك دائماَ على الجمع بين اللسان والقلب في الذكر حتى يصير اجتماعهما عادة وسجية بإذن الله.
وكان من أدب الصالحين من سلف الأمة أن تكون لهم أورادهم وأذكارهم المأثورة عن الحبيب (صلى الله عليه وسلم) والتي لايكتفون فيها بالمئات أو بالآلاف، بل بمئات الألوف وألوف الألوف، تقوية للقلوب وتوصلاَ لمعية علام الغيوب.
فهل لك أن تضع نفسك من الأوراد مثلما فعلوا من قرب الله ونصره و تنال ما نالوا .
والله معكم ولن يتركم أعمالكم……