الأمل والثقة في نصر الله
المبشرات من القرآن:
عندنا بشائر من كتاب الله تبارك وتعالى :
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} التوبة:33 .
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة:32.
{ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم:47 .
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} النور:55 ، هذا هو الشرط.
المبشرات من السنة:
وعندنا بشائر من رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال:
“ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار – أي يسود العالم كلَّه – ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، بيت من حجارة أو بيت من شعر، في الحاضرة أو البادية، إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ الله به الإسلام ، وذلاًّ يذلُّ الله به الكفر ” رواه أحمد
وحينما سُئل عبد الله بن عمرو بن العاص: أيُّ المدينتين تُفتح أولا، القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حِلَق، قال: فأخرج منه كتابا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ المدينتين تفتح أولا، قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مدينة هرقل تفتح أولا ” رواه أحمد . يعني قسطنطينية.
رومية: عاصمة روما، والقسطنطينية: استانبول الآن، وكأن الصحابة قد سمعوا أن تلك المدينتين ستُفتحان، فهم يسألون: أيُّ المدينتين تُفتح أولاً ؟ فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تُفتح أولاً، أي القسطنطينية، وقد فتحت كما سمعتم، فلم يبقَ إلا رومية، روما.
المبشرات من الواقع:
عندنا البشائر الكثيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتاريخ يؤيِّدنا، والواقع يقول: إن الحضارة الغربية المعاصرة لم تقُم بحقِّ الله، ولا بحقِّ خلقه، أفلست في ميدان الرُّوح والأخلاق، لم تستطع أن تغرس السَّكينة في النُّفوس، هيَّأت للإنسان القوُّة والثروة، ولكن لم تغرس في قلبه الإيمان، هيَّأت له المتعة، ولم تهيِّئ له السَّكينة، أعطته الرَّفاهية الماديَّة، ولم تعطه الطمأنينة الرُّوحيَّة، لأنَّ هذه لا تأتي إلا من الإيمان، وإلا من ذكر الله،
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد:28 .
الإنسان الغربي فقد الرسالة والغاية الحقيقية
أعطت هذه الحضارة للإنسان الوسائل والآلات، ولم تعطه المقاصد والغايات، الذي يعطيه المقاصد أن يحيا لغاية، أن يعيش لرسالة، أن يعلم أنَّ لمعيشته طعمًا، وأنَّ له نهاية، وأنَّه ليس مجرَّد تراب، يمشي على التراب، ويأكل مما خرج من التراب، ثمَّ يصير إلى التراب، وقد خُتِمت قصته على ذلك. رُوحٌ يحلِّق في جسم، يفنى الجسم وتبقى الرُّوح، إنَّه يحيا للخلود الذي أُعِدَّ له، هذا ما يعطيه الإسلام.
الواقع يقول: إنَّ الحضارة الغربية المعاصرة قد أفلست ولا يمكن أن تدوم، ولا بدَّ لها من وارث، ونحن الوارثون إن شاء الله.
حقائق ثلاث أؤكدها:
الحقيقة الأولى:
المستقبل لهذا الدين
عندنا البشائر من القرآن الكريم، وعندنا البشائر من سنَّة سيد المرسلين، ومن التاريخ، ومن الواقع، ما يملأ صدورنا بالأمل في الغد، والرجاء في المستقبل هذه واحدة.
الحقيقة الثانية:
الأجر على قدر المعاناة
أنّه على قدر المعاناة ، وعلى قدر الصَّبر والمصابرة على ما نلاقيه في هذه الدُّنيا من متاعب، يكون الأجر عند الله تبارك وتعالى.
لا شكَّ أن المسلم في عصرنا يعاني كثيرًا ممن يُغريه بالشرِّ، أو يَعُوقه عن الخير، مما يدفعه إلى المعصية، أو يُثبِّطه عن الطَّاعة، ولكن على قدر هذه المعاناة تكون المثوبة عند الله.
في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمية الشعباني، قال: سألت أبا ثعلبة الخُشَني، فقلتُ: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: {عليكم أنفسكم} المائدة:105 ؟ قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيرا، سألتَ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتَ شحًّا مطاعًا، وهوى متَّبعًا، ودنيا مُؤثرة، وإعجاب كلِّ ذي رأي برأيه، فعليك – يعني – بنفسك، ودَعَ عنك العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله”. وزادني غيره قال: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: “أجر خمسين منكم” رواه أبو داوود . أيُّ فضل أعظم من هذا الفضل؟ أيُّ أجر أجزل من هذا الأجر؟ أيُّ دافع للعمل والثبات والجهاد في سبيل الله، والاستمساك بعُروة هذا الدين، أعظم من هذا الحافز والدافع؟
الحقيقة الثالثة :
نحن مطالبون بالعمل والدعوة لا بالنتائج
إنَّنا مطالبون أن نعمل بهذا الدين، وأن نعمل لهذا الدين، ونتعبَّد لله تعالى به ما دام فينا عِرقٌ ينبض، وعين تطرف، ونفس يتردَّد، لا نتخلَّى عن هذا الدين مهما أوذينا في سبيله، سنستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، نعبد الله ونجتنب الطَّاغوت، ندعو إلى كلمة سواء، إلى كلمة الله، ندعو إلى كتاب ربِّنا، وسنة نبيِّنا.
لن نتخلَّى عن هذا، سواءً انتصرنا أم لم ننتصر، نجحنا أم لم ننجح؛ لأنَّ المؤمن الحقَّ لا يعمل لمجرَّد النجاح، ولا لمحض النَّصر، إنَّه يتمنى أن ينتصر، ويسأل الله أن ينتصر، ولكن هبه لم ينتصر، هبه عاش كما عاش نوحٌ عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عامًا، وما آمن معه إلا قليل، حتى ابنه لم يؤمن به، حتى زوجته لم تؤمن به، هل يُلام نوحٌ عليه السلام؟ لا، إنَّه ظلَّ يدعو ربَّه ليلاً ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، وهذا هو شأن صاحب الرِّسالة، هذا هو شأن حملة الدعوة، أن يظلَّ الإنسان داعيًا إلى الله، متقرِّبًا إلى الله بالعمل له، وبالدعوة إليه، فإن حقَّق الله له النجاح، وتحقَّقت الأهداف، قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا} الأعراف:43 ، وإن سقط في وسط الطَّريق، أولم يتحقَّق له ما يريد، كان قد أدَّى ما عليه، وأعذر إلى الله، وبلَّغ الرسالة للناس.
المهمُّ هو الثبات على الحقِّ:
وهذا هو شأننا باعتبارنا بشرًا مخلوقين ، ليس في يدنا زمام الكون، لسنا الذين نخفض ونرفع، ونُعْطِي ونمنع، الملك في يده، هو صاحبه يُدبِّره كيف يشاء، ولا ندري أين يكون الخير، المهم هو الثبات، الثبات على الحقِّ، المصابرة عليه، إمَّا أن نعيش من أجله، وإمَّا أن نموت في سبيله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102 ، وإنَّما يموت الإنسان مسلمًا، إذا عاش مسلمًا، فالمرء يموت على ما عاش عليه، {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
فاثبتوا ولا تيأسوا.
يا صاحبي، يا مَن خيَّمَ عليك اليأس، لا تيأس، لا تقنط، فإن الغد لنا، والبشائر كلُّها معنا. ثمَّ إنَّ المعاناة تزيدك أجرًا ومثوبةً، ثمَّ إنَّ عليك أن تعمل، وليس عليك أن تنتصر.
عليَّ السعي فيما فيه نفعي وليس عليَّ إدراك النجاح
وأختم بكلمات للدكتور يوسف القرضاوي:
استبشروا بانتصار الإسلام
لا يمكن أن تسقط راية الإسلام ، قد تصيبنا محنٌ ، وقد تنزل بنا الفتن، وقد تحيط بنا الشدائد ، ولكن هذا كلَّه لن يفتَّ في عضدنا ، لن يهزم الأمل في صدورنا ، سنظلُّ نتطلَّع إلى الفجر القادم ، هل يستطيع أحدٌ أن يمنع أنوار الفجر؟ أن يُوقف طلوع النهار؟ ……. (لا)
كلُّ ما في الأمر أنَّ اللحظات التي تسبق طلوع الفجر أشدَّ لحظات الليل سوادًا وحُلْكة ، ثمَّ ينبثق بعدها الفجر، ونحن ننتظر فجر الإسلام من جديد إن شاء الله.