الانقلاب وتخريب الوطن
ذكري الثالث من يوليو، ذلك الانقلاب المشئوم الذي داس إرادة الشعب المصري بالحذاء العسكري، ووأد حلمه في الحرية والعيش الكريم، وما زالت المصائب تنهال علي روس المصريين منذ ذلك اليوم؛ فلا يخرجون من كارثة إلا لتحل بهم مصيبة، ولا يرفعون رأسهم من قارعة إلا لتضربهم أخري، ولا يخرجون من حفرة إلا ليسقطوا في بئر، وأصبحت البأساء والضراء هي العنوان الأبرز لحياة المصريين.
قبل أربع سنوات وفي الثلاثين من يونيو عام 2013م تظاهر بعض المصريين في ظل الحرية التي نعم بها الإنسان المصري كما لم ينعم بها من قبل ولا من بعد، وذلك في عهد الدكتور محمد مرسي أول ريئس منتخب في تاريخ مصر، خرجوا يطالبون بحل بعض المشكلات المعيشية التي ثبت بعد ذلك يقيناً بأدلة فوق الحصر أنها كانت مفتعلة من قبل العسكر وأتباعهم في دهاليز الدولة العميقة، بعلم وتدبير مباركة أمريكية وأوروبية، ودعم وتمويل إقليمي تولت كبره السعودية والإمارات خوفاً من هبوب رياح الثورة والتغيير إلي أراضيها، وكان ذلك كله تمهيداً للانقلاب علي التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وإعادة الشعب المصري إلي بيت الطاعة العسكري، تحقيقاً للمصالح الغربية وتبديداً للمخاوف الإقليمية، حتي تبقي مصر تابعاً في خدمة السادة: مصدراً للخامات، وسوقاً للمنتجات، ومقبرة للنفايات، ومنع أي خطوات نحو تحرير القرار الوطني الذي سعي إليه الرئيس مرسي بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح.
ولم يعد خافياً أن تلك المظاهرات كانت حشداً طائفياً وأيديولوجياً ومخابراتياً، خرج فيه قلة من المواطنين المخلصين المخدوعين بدعاية الإعلام المخابراتي، الذي دأب علي طمس النجاحات التي حققها الرئيس مرسي داخلياً وخارجياً، ومحاولة اغتياله معنوياً برسم صورة ذهنية شائهة له تصوره كرئيس ضعيف وفاشل، و غير قادر علي حل مشكلات الناس، وأن مصر تحتاج إلي قيادة عسكرية قوية وجريئة وقادرة علي اتخاذ القرار لتحقيق الرفاهية ورغد العيش للشعب المصري الذي يستحق أكثر مما يقدمه الرئيس الإخواني. وقد اتخذ العسكر هذه المظاهرات الكرنفالية التي استمرت فقط لساعات قليله وانفضت تماماً ذريعة للانقلاب علي الرئيس المنتخب والتجربة الديمقراطية والإرادة الشعبية. كل ذلك بترتيب مع الأمريكان كما اعترف بذلك قائد الانقلاب في فيديوهات منشورة ومشهورة، بما يمثل أقبح صور الخيانة للوطن والنكث للعهد والحنث بالقسم.
لقد خُدع كثير من المصريين بدعاية الانقلابيين، ووعودهم البراقة بالأمن والأمان، والرفاهية والعيش الرغيد، ومصر التي ستصبح أم الدنيا، ولكن سرعان ما أفاق الناس علي الكوارث التي حلت بهم، والمصائب التي نزلت بساحتهم، واكتشفوا أنهم وقعوا فريسة لسحرة فرعون، وأن العسكر وإعلامه ومخابراته قد سحروا أعينهم واسترهبوهم، وأن قائد الانقلاب كذاب أشر، يكذب الكذبة وينشرها حتي تبلغ الآفاق ثم يتلوها بأخري ويعقبها بثالثة ورابعة كأنه ماكينة لإنتاج الكذب، وترويج الزيف، وإذاعة الدجل، لقد أدمن اللعب علي عواطف المصريين ودغدغة مشاعرهم واستعطافهم، ولكنهم دائماً يستيقظون علي لدغة الأفعي. ففي كل مرة يعدهم فيها بتحسين أوضاعهم ترتفع الأسعار لتأكل الأخضر واليابس، وتأتي علي مدخرات الأغنياء، وتحرق جيوب الفقراء إن بقيت لهم جيوب. وها هو يرفع أسعار البنزين في الذكري الرابعة لمظاهرات الثلاثين من يونيو الديكورية، في إشارة بليغة لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد، وكأنه يريد أن يقول للمصريين جميعاً ليس لكم إلا أن تتقبلوا المزيد من الغلاء، والمزيد من القمع، والمزيد من التبعية.
لقد شاءت إرادة العليم الخبير أن يكشف هذه الزيف للناس، وأن يحقق قانونه الدائم علي رؤوس الأشهاد: ” إن الله لا يصلح عمل المفسدين” . فقد دأب سحرة الفرعون المنقلب أن يتهموا الرئيس مرسي بالتفريط في أرض مصر وبيعها، ثم أظهرت الأيام مدي وفاء الرئيس مرسي لدينه ووطنه، ومدي التزامه بقسمه أمام الشعب المصري، وحرصه علي وحدة وسلامة أراضي الوطن، واستقلال قراره، ورفاهية أبنائه، كما أظهرت الأيام مدي خسة وخيانة الفرعون المنقلب وزمرته المجرمة؛ فقد تنازلوا عن حق مصر التاريخي في مياه النيل لصالح أثيوبيا المدعومة صهيونياً، وتنازلوا عن حق مصر في حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط لصالح قبرص وإسرائيل، حتي يبقي الشعب المصري وأجياله التاليه أسيراً للفقر والحاجة بعد أن سرقت ثرواتهم وبددت مقدراتهم، ثم أكمل الفرعون المنقلب وزمرته المجرمة سلسلة التنازلات والتفريط في الأرض والعرض بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ولا ندري ما يخبئ الغد من مخازي هؤلاء الطغاة المجرمين.
والليالي من الأيام حبالي***** يلدن كل عجيب
وكم في مصر من المضحكات***** ولكنه ضحك كالبكاء
لقد دأب سحرة الفرعون المنقلب أن يتهموا الرئيس مرسي بالفشل في تحسين الاقتصاد المصري وحل مشكلاته، وأثبتت الأيام أن الانقلابيين قطعوا الطريق علي النجاحات التي حققها حتي لا تكتمل ويشعر الناس بآثارها، فقد حافظ علي سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار فلم تزد عن ستة جنيهات ونصف بينما اقتربت من العشرين في أيام الفرعون المنقلب وزمرته المجرمة، وحافظ الرئيس مرسي علي الاحتياطي النقدي الذي انهار علي يد المجلس العسكري، دون أن يتلقي أية معونات خارجية ترهن مقدرات الوطن ومستقبله وقراره للممولين والداعمين، بينما بدد المنقلب وزمرته المجرمة هذا الاحتياطي وكل المعونات التي تلقاها وبلغت مئات المليارات من الدولارات دون أن يحسن من حياة المصريين قليلاً ولا كثيراً، بل ازدادت حياتهم بوساً. لقد رفض الرئيس مرسي إملاءات صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض قيمته أربعة مليارات، وفضل حل مشكلات الاقتصاد دون الحصول علي هذه القرض بهذه الشروط المهينة المكبلة للقرار الوطني المرهقة للطبقات الفقيرة من الشعب المصري، ولكن الفرعون المنقلب وزمرته المجرمة انبطحت تماماً أمام شروط صندوق النقد الدولي وحصلت علي قرض قيمته 12 مليار دولار لم يشعر المصريون من آثاره إلا الغلاء والبلاء وسوء الأحوال. فهذه الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات بعض تجليات هذه القرض المبارك الميمون!!!.
بعد أربع سنوات علي هذه الداهية التي مني بها المصريون لم يبق أمام الجميع إلا العمل من أجل الخلاص من هذه الطغمة المجرمة التي ظنت أن الشعب المصري قد مات، وأن عشاق الحرية قد يئسوا، وأن جذوة الثورة قد انطفأت، وأن الأرض قد دانت لهم؛ فهم يعيثون في الأرض فساداً دون وازع من ضمير، ولا خوف من شعب، ولكن الأيام ستثبت لهم عظيم خطئهم، وأن الشعب المصري لم يمت، وأن قواه الحية ما زالت قادرة علي الفعل، وأن ما يراه رماداً يخفي تحته جمراً متقداً لا يلبث أن يشب حتي يحرق الظلم ويذهب بالطغيان.
لابد لجميع المصريين إذا أرادوا الحياة الكريمة والمستقبل المشرق لهم ولأولادهم أن يعملوا بجد واجتهاد، ويوحدوا صفوفهم ويتناسوا خلافاتهم، ويقبلوا بعزم حديد، ورأي رشيد، علي كسر الانقلاب، والتخلص من عاره وشناره، والتعفية علي آثاره، ولقد حفظ لنا التاريخ القريب والبعيد أن الشعوب الحرة التي لا تستثقل ثمن الحرية ستحصل عليها، وتخط لنفسها تاريخاً جديداً مجيداً.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة***** فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي***** ولابد للقيد أن ينكسر