التوكل مقام جليل عظيم الأثر، بل ومن أعظم واجبات الإيمان وأفضل الأعمال والعبادات المقربة إلى الرحمن، وأعلى مقامات توحيد الله سبحانه وتعالى، فإن الأمور كلها لا تحصل إلا بالتوكل على الله والاستعانة به، ومنزلة التوكل قبل منزلة الإنابة لأنه يتوكل في حصول مراده فهي وسيلة والإنابة غاية، وهو من أجل المراتب وأفضلها وأعمها قدرًا.
فالمؤمن الحق يفوض الأمر لله، ويعتمد عليه، ويستمد العون منه في الشدة والرخاء. فهو سبحانه الذي أرشد المؤمنين إلى التوكل عليه، ووصلِ قلوبهم به إذا سعوا لدفع مضرة أو جلب منفعة حتى تكون يد الله فوق أيديهم “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً”.
المؤمن الحق إذا اشتدت الأهوال، واختنقت الأجواء، وإنقطعت الأسباب لا يلتمس العون إلا من الله “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
فما سوى الله عبدٌ مُسخر لا ينبعي الاعتماد عليه “إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ” لا يجلبون منفعة ولا يدفعون مضرة. كما أخبر النبي ﷺ“,,,,, وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”
ومع الاعتماد الصادق على الله، والتوكل عليه، والثقة فيه. يجب على المؤمن العمل بإخلاص، والتفاني في الأخذ بالأسباب “نعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”.
فعلى المؤمن الحق البعد عن المرجفين، والإستعداد بكل القوى المادية والمعنوية. معتمداً في ذلك على القوي المتين، الذي بيده الملك، الفعَّال لما يشاء، بيده وحده العطاء والمنع، والهزيمة والنصر.