الجلسة التربوية.. مناسبة لتزكية النفس والتعاون على الخير
بقلم/ المصطفى ناصري
يعد المجلس التربوي أو الجلسة التربوية من المصطلحات الرائجة في أدبيات التنظيمات الحركية والدعوية، انطلاقا من جماعة الإمام الشهيد حسن البنا؛ التي كان أعضاؤها ينتظمون في مجالس تربوية، إلى كل التنظيمات الأخرى إلى يومنا هذا، حيث يعتبر المجلس التربوي عنوان الإنتماء والإرتباط التنظيمي، والحصن الذي تتم فيه عملية التربية والتزكية والتحلية والإعداد لمهمة الدعوة والبلاغ .
و المتمعن في ثنايا تراثنا الإسلامي يجد للمجلس التربوي أصلا ثابتا في فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي كان يجتمع إلى صحابته في مجالس يعلمهم فيها ويربيهم، و يبلغهم ما أوحي إليه من ربه.
كما نجد أصلا للمجلس التربوي فيما عدا ذلك من التعابير الحديثية المشابهة من مثل حلقات الذكر، و مجالس الذكر والعلم والتعلم في مفهومها العام، حيث ورد في رياض الصالحين مثلا: باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة منها ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر رواه الترمذي.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة رواه أحمد بسند حسن.
يقول الأستاذ رشيد سودو: والمجلس التربوي اصطلاح دعوي حركي شبه طارىء حاول أن يستجمع معاني التعابير النبوية السابقة من حيث شمولها للعلم والذكر والتزكية والتوجيه التربوي للإشتغال بها وعليها لإقامة عمل دعوي إصلاحي مؤسس على التربية بمعناها الذي يوظف حسب الحاجة للعلم والذكر، وإلى جانبهما العادات و الأعراف والتقاليد التي سيتحرك المتربي باتجاهها ليقيمها على مقاصد الدين.
والتربية هي الغاية في المجلس التربوي، بل العلة من انعقاده، وإن كانت الفوائد العلمية لا يخلو المجلس التربوي منها، ذلك أن كل الحركات التصحيحية والإصلاحية بما فيها دعوات الأنبياء ابتدأت بالتربية.
يقول الدكتور محمد عز الدين توفيق: لقد كانت البداية في دعوة الأنبياء بداية تربوية، فقد اتجهوا إلى إصلاح الإنسان قبل البيئة، وعمدوا في إصلاحه إلى إصلاح مكمن القيادة فيه وهو القلب. بل إن التربية جزء من العلم لا ينفك عنه، ولقد علق بن حجر رحمه الله على قول البخاري باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم قال: يتعهدهم، والموعظة النصح والتذكير، وعطف العام على الخاص، لأن العلم يشمل الموعظة وغيرها.
كما أن التربية تنقل المؤمن من جذب الشيطان إلى جذب الإيمان.
يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد: وهذا التردد بين الجذبين أزلي قديم لا ينقطع، وبسببه أوجب المؤمنون على أنفسهم جلسات تفكر وتأمل و تناصح، يتفقدون فيها النفس أن يطرأ عليها كبر أو بطر، والقلب أن يعتوره ميل، والعلم والإيمان أن يلتبسا بإفراط يزيد بدعة، أو تفريط يهمل أمرا وإرشادا.
وقد ترجم معاذ بن جبل رضي الله عنه هذا الإحساس بكلمة غدت مادة في دستور أجيال المؤمنين فقال لصاحبه وهو يذكره: اجلس بنا نؤمن ساعة فأخذها بن رواحة فقال لأبي الدرداء و هو آخذ بيده تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا.
والخلاصة أن المجلس التربوي وسيلة لإحراز العلم، وتجديد الإيمان، وبلوغ درجة من تزكية النفس، وربطها بمولاها. كما أنه أداة لجمع القلوب، وتأليف النفوس، وإحياء قيم التعارف والتعاون على الخير، وفرصة لتحسيس المسلم بواجبه تجاه ربه وتجاه أمته، وهو المحطة التي يتزود منها الداعية بشحنة دفاقة دافعة، تدفعه لبذل النصح، ونشر المعروف، ومضايقة الباطل، حيث تتجدد هذه الشحنة في المجلس التربوي كلما فرغت، علما أن هذه المقاصد المذكورة لا تتحقق إلا بشروط لعل أهمها:
– إخلاص النيات
– الإتقان المتجلي في جودة المادة العلمية والتربوية إعداداً وعرضاً
– توفر المربي القدوة في العلم والعمل، وصاحب الكفاية والقدرة على تحقيق المقاصد المذكورة فيمن يتولى تربيتهم.
ومن المتعارف عليه بين الناس أن قوة تأثير الكلمة منوطة بحال الإنسان، فمن لم يتحقق بالولاية ظاهرا وباطنا، فقوة تأثيره إن بالقوة أو بالكلمة تبقى ضعيفة والقول بأن المجلس التربوي أداة تربوية استنفذت أغراضها، وتجووزت قول متهافت مردود على قائله، إذ يكفي المجلس التربوي فخرا أن يكون روضة من رياض الجنة، وأن يكون الاجتماع فيه على ذكر الله و تعلم العلم، وعلى تزكية النفس وتذكيرها بواجباتها، بل يكفي المجلس التربوي فخرا أن يوشح من حضر فيه بتلك الأوسمة الأربعة: 1 حفتهم الملائكة، 2 غشيتهم الرحمة، 3 نزلت عليهم السكينة، 4 ذكرهم الله فيمن عنده، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود في السنن.