الصلاة هي الشعيرة الأعظم في الإسلام بعد شهادة التوحيد؛ فهي أحب الأعمال إلى الله، وهي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وهو يحتضر، والصلاة هي الوسيلة العظمى في تزكية النفس، وهي ميزان على تزكية النفس، فهي وسيلة وغاية في وقت واحد، فإذا أقام المسلم أركانها وسننها وتحقق بآدابها الظاهرة والباطنة؛ فإنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” العنكبوت 29.
وروح الصلاة هو الخشوع وهو الذي يجعل الصلاة تؤتي ثمارها من التطهير والتزكية، والخشوع علم كما في الحديث الشريف: “أول علم يرفع من الأرض الخشوع” الطبراني بسند حسن.
الخشوع هو الخضوع والسكون . قال تعالى: { وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه : 108] أي سكنت. والخشوع: هو لين القلب ورقنه وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء، لأنها تابعة له. [الخشوع لابن رجب] فالخشوع محله القلب ولسانه المعبر هو الجوارح.
والخشوع هو أول علامات المفلحين. قال تعالى: “قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون”. المؤمنون 1- 2. وأهل الخشوع هم أهل البشارة من الله، قال تعالى: “وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون” الحج.
وفقدان الخشوع يعني فساد القلب وفساد الحال، وصلاح القلب وفساده عليهما مدار الصلاح والفساد عامة. قال رسول الله عليه وسلم: “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”. البخاري ومسلم.
إن الخشوع هو المظهر الأرقى لصحة القلب، فما ذهب الخشوع إلا وغلب القلب بأمراض خطيرة مثل حب الدنيا والتنافس عليها وإذا غُلِب القلب بالأمراض فقد التطلع إلى الآخرة، فحب الدنيا يعقبه التنافس عليها.
إن فقدان الخشوع علامة على فقدان القلب حياته وحيويته فالموعظة فيه لا تؤثر، والأهواء والشهوات فيه غلابة، وعندها تقوم سوق التنافس على الجاه والغلبة والسيطرة على المال والشهوات، وهذه إذا سيطرت لا يصلح معها أمر دنيا ولا دين.
والخشوع علم قل العارفون به، والعالم الذي يوصل إليه هو العالم حقا إذ هذه علامة علماء الآخرة: “إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا” الإسراء.
وعلم الخشوع مرتبط بعلم تصفية القلوب من أمراضها وتحققها بصحتها، وعلماء الآخرة يبدأون بتلقين السالك إلى الله الذكر والحكمة حتى يحيا قلبه، بعدها تأتي مرحلة تنقية القلب من الأوصاف الذميمة، ثم إرشاده إلى الأوصاف الحميدة، وهنا يأتي تعويد قلبه على الخشوع من خلال الحضور مع الله والتأمل في المعاني.
وللحديث بقية إن شاء الله