العمل الدعوي بين الانضباط والتسيب
عايد هديب
أسئلة متعددة تتردد في جنبات المحاضن التربوية حول كيفية الارتقاء بها ورفع مستوى أدائها، والعمل على التخلص من الظواهر المرضية التي تنتشر في أحضانها، ولعل من أهم تلك الظواهر التي تعتبر عائقاً أسياسياً أمام نهضة العمل التربوي الدعوي هي التسيب وتكرار الغياب وضعف المشاركة في مختلف الأنشطة فيها.
إن ثنائية الانضباط والتسيب ثنائية لا بد من طرحها والوقوف عندها لأجل تفاديها والقضاء عليها، ولكن دون الخضوع والاحتكام لمبدأ (الانضباط الشامل أو التسيب الكامل).
في هذه الثنائية مدرستان:
يختلف العاملون في المحاضن التربوية وحتى التجمعات التطوعية المشاريعية والتي تنتشر فيها وتكثر مظاهر التسيب والتفلت والغياب وعدم الجدية، حول كيفية علاجها والتعامل معها، ففريق يدفع باتجاه اقرار اللوائح التنظيمية الإدارية التي تضبط سلوك الأفراد وترهبهم والتي في ظنهم أنها كفيلة في دفع الأفراد إلى الالتزام والانضباط السلوكي، وعلى مقربة منهم يقف فريق آخر يدفع بقارب العلاج والمراقبة والارتقاء في بحر الظاهرة لاكتشاف أسبابها والوقوف عليها ومن ثم معالجتها.
لست في صدد التحكيم بين هذين الفريقين ولكن أود أن أشير إلى أن التجمعات الطوعية ذات الفكرة المشتركة يسهل قيادتها بالحب والشراكة والنصح إذا ما اتضحت الأهداف المقصودة وكانت المشاريع فيها بيّنة واضحة، فما اللائحة الادارية التنظيمية وحدها إلا سيفاً مشهراً في غير معركة حقيقية، وما التشيجع وحده إلا أنغاماً جميلة تعزف على احتضار المحضن التربوي والدعوي، فالموازنة في ذلك شرط.
أسباب التسيب:
1- عدم وضوح الفكرة الإسلامية في نفس الداعية.
2- عدم قدرة الفرد على برمجة يومه وتحديد أولوياته والتنسيق بين مواعيده والتزاماته.
3- عدم العدالة في توزيع الأعمال بين الأفراد والخوف من أن يتحمل الفرد أكثر مما يطيق، فيدفعه الخوف من ذلك إلى التغيب والعزوف ولربما التهرب من الأعمال والمهام الدعوية.
4- الظروف المعيشية الصعبة التي قد تضطر الفرد إلى الهجرة أحيانا أو الغربة في الوطن حيناً آخراً، فقد يعمل في وظيفتين وأكثر لتأمين سبل الحياة الكريمة لأسرته.
5- غياب التجديد والإبداع.
6- الخلافات الداخلية في المحضن التربوي.
7- غياب معاني الأخوة والحب في الله والتكافل فيما بينهم.
ومن طرق العلاج
1- توضيح أهداف المحضن التربوي والدعوي، وإيجاد مشروع حقيقي واضح وفعال.
2- تمكين الفرد من بعض المهارات في برمجة يومه وأوقاته.
3- تحييد الخلافات الإدارية والتنظيمية قدر المستطاع والعمل على إنهائها.
4- تفعيل أركان المحضن التربوي، وليحمل بعضنا عبء بعض.
5- تفعيل الرقابة الإدارية الناصحة المشفقة وعدم الاكتفاء بالحسبة الإدارية فقط من حضور أو تغيب.
6- مراجعة الوسائل وتطوير الأساليب قدر المستطاع؛ لما في ذلك كسر لروتين المحضن المعتاد عليه، وصناعة روح إيجابية إبداعية متدفقة تسري في عروق المحضن التربوي والدعوي.
7- العمل على تولية صاحب الكفاءة والقدرة عند توزيع الأعمال، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يكون الهدف من ذلك هو الإتقان والجودة وليس فقط تمرير وتنفيذ النشاط أو الوسيلة فحسب.
وفي الختام يجدر بنا القول أن الأصل في الانضباط والالتزام هو الرقابة الذاتية، فالرقابة الصادقة تبدأ بالنفس من خلال الإيمان الصادق العميق بالفكرة والحرص عليها والجدية في المتابعة والانخراط في المشروع الذي تحمله المحاضن التربوية لتحقيقه والسعي لإيجاده، ويتحقق ذلك بالنقد الذاتي والاعتراف بالخطأ والاستعداد لتحمل تبعاته.
والانضباط في حقيقته هو قيمة أخلاقية والتزام أدبي لا يقتصر دوره على كشف الخلل ومواطن القصور والوقوف على السلبيات والأخطاء فحسب، وأما التسيب والتفلت والغياب فدلالة واضحة على غياب الشعور بالمسؤولية، وعدم الالتزام والوفاء بشروط العضوية وواجباتها، وتبقى الحقيقة الراسخة الثابتة التي لا بد من معرفتها في طريق معالجة هذه الثنائية، أنَّ “من لم تدفعه الفكرة، لن تردعه اللائحة”.