فإن كانت المسئولية الفردية اتجاه الأخرين نابعة من العدل من النفس، فلن نجد مثل عمربن الخطاب نموذجاً لمن تحمل المسئوله اتجاه الاسلام والرعية، فهو العادل إنْ ذكر العادلون، هو من سهر لينام الناس، وجاع ليشبع الناس، هو من جعل كبير المسلمين أبًا، وأوسطهم أخًا وأصغرهم ولدًا.
ولي الخلافة فعلم تبعاتها، فقام يمشي في الأسواق بِلا مواكب ولا مراكب، يطوف الطرقات، ويقضي حاجات الناس، يَخْلُفُ الغزاة في أهلهم، يتفقد أحوال رعيته، همُّهم همُّه، وحزنهم حزنه، يقول تحت وطأة المسئولية: “لو عثرت دابة بضفاف دجلة لخشيتُ أن يسألني الله عنها: لِمَ لمْ تُمهِّد لها الطريقَ يا عمر؟”.
يتغير لونه في عام الرمادة من أبيض حتى يصبح مسودًّا من شدة الهمِّ بأمر المسلمين، يأكل الخبز بالزيت، وقد كانت قدور عمر رضي الله عنه وأرضاه يقوم لها العمال من وقت السحر ليعملوا الطعام، للفقراء والمرضى، حتى نفد ما في بيت المال، فلم يبق شئ. يقول أسلم: فلو لم يرفع الله المحل عام الرمادة؛ لظننا أن عمر يموت همًا بأمر المسلمين.
يتفقد الرعية، ويتحسس المحتاجين، يحمل الدقيق والشحم على كتفه ويذهب الى المراءة وأبناءها التي يتضاغون جوعاً ولا يتركها حتى يصنع الطعام بنفسه.
فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه ومن يحاول للفاروقِ تشبيها
ومن رآه أمام القدر منبطحًا والنارُ تأخذ منه وهو يُذكيها
وقد تخلل في أثناء لحيته منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا
رأى هناك أمير المؤمنين على حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا
يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه
والعَيْنُ من خشيةٍ سالت مآقِيه
رحم الله عمر، ورضي عن ذلك النموذج، قد عرف مسئوليته تجاه رعيته، وراقب الله فيمن تحت ولايته، فأحبهم وأحبوه،وصدق فصدقوا،ولو رتع لرتعوا، فما اجمل ان نتخلق بصفاته وننهج نهجه.