إنَّ التاريخ الإسلامي مليء بالقدوات والنماذج التي ضربت أروع الأمثلة في تحمل المسئولية تجاه الأمة والأوطان من البعثة المحمدية إلى يومنا هذا.
يذكر المؤرخون أن حمامة باضت في فسطاط عمرو بن العاص والي مصر آنذاك، فلما عزم على الرحيل أمر عماله أن يخلعوا الفسطاط، فلفت أنظارهم عش حمامة فيه بيض لم يفرخ بعد، فلم يُزْعِجُوا الحمامة، ولم ينتهكوا حرمة جوارها، بل أوقفوا العمل، وذهبوا إلى عمرو -رضي الله عنه- يعرضون عليه الأمر، ويأخذون رأيه فيها، فقال:”لا تُزْعِجُوا طائراً نزل بجوارنا، وحلَّ آمنًا في رحالنا، أجِّلُوا العمل حتى تَفْرُخَ وتطير.“
وعمر بن عبد العزيز الذي أعاد للأمة منهج الخلفاء، فضحى بزخارف الدنيا، وحمل المسئوليه اتجاه الرعية، جاءه رسول من أحد عماله، فأضاء المكان بسراج من أموال المسلمين، حتى إذا فرغ الرسول من المهمة وبدأ يسأله عن أحواله الشخصية، أطفأ السراج وأشعل شمعة تخصه حرصاً على أموال المسلمين،. اشتهى التفاح يوماً، فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، أرفعه يا غلام فأقرئ فلاناً منا السلام و قل لهُ: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم كان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فقال : ويحك ، إن الهدية كانت للنبي وهي لنا اليوم رشوة.
ونماذج كثيرة من علماء الامة العاملين المصلحين على مر العصور، قاموا بالمسئوليه اتجاه العلم الذي يحملونه، فقاموا بالنصح للراعي والرعية، لم يثنيهم عن ذلك سجناً ولا نفياً ولا قتلاً.
وحتى هذه اللحظة لايزال الكثير من علماء الأُمة والمصلحين، يدفعون ثمن المسؤلية اتجاه أوطانهم، يدفعونها من حياتهم وحرياتهم، خلف الأسوار معتقلين، وفي المهاجر منفين. والسبب أنهم لا يقبلون الدنية في أوطانهم ولا شريعتهم يضربون المثل لأولادهم وأحفادهم. أنَّ اباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً لم يفرطوا في وطنٍ ولم يتخلوا عن دين.