تحت وطأة الضغط الأمني الوحشي الذي بلغ حد التصفية الجسدية بدون محاكمات ونتيجة لإنسداد أفق الحل السياسي في أزمة مصر الراهنة خرجت دعوات من بعض المخلصين والحريصين على جماعة الإخوان المسلمين تطالب بحل تنظيم الإخوان في مصر كأحد الحلول للأزمة التي تواجهها الجماعة.
دوافع دعوة حل التنظيم
خرجت هذه الدعوة من بعض (إخوان الخارج) وكانت دوافع هذه الدعوة الحفاظ على أرواح أشخاص الجماعة المُطاردين والمُعتقلين، وكنوع من إخلاء المسئولية عن موجة العنف المسلح التي بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق، وحتى لا يتذرع النظام ويُعلق كل مصائبه وكل العمليات التفجيرية على شماعة تنظيم الإخوان.
أو ربما كانت بالونة اختبار للداخل الإخواني أو السلطة (لا أدري ولا أستطيع التكهن) حول تجميد النشاط الثوري إلا أنه وجه بالرفض القاطع من القواعد الإخوانية وخاصة الشباب، كما أن القيادة في مصر لم تعلق على هذه الدعوات من خلال المتحدث الرسمي.
ماذا يعني قرار الحل؟
يعني الحل فك الراوبط التنظيمية بين أفراد الجماعة ويتفكك بذلك التنظيم الهرمي للإخوان ويصبح كل فرد من الإخوان غير مرتبط بالتنظيم وتوجيهاته وتوجهاته.
حل تنظيم الإخوان تاريخيًّا
أول حل للتنظيم كان على يد حكومة النقراشي باشا عام 1949، حيث اغتيل الإمام المؤسس حسن البنا وتم القبض على الآلاف من الإخوان وتوقف نشاط التنظيم لمدة عامين حتى عاد في عام 1951.
وتم الحل الثاني للجماعة عام 1954 على يد مجلس قيادة الثورة، وسُجن عشرات الآلاف من الإخوان، وتم إعدام بعض القيادات، وغاب التنظيم بالفعل عن الحياة المصرية بشكل شبه تام. حتى جاءت محاولة الأستاذ سيد قطب في منتصف الستينيات بإعادة بناء التنظيم ولكن بشكل سري وبغاية تربوية بحتة، ولكن النظام الناصري واجه هذه المحاولة بشراسة بالغة وأعدم بعض القيادات على رأسهم الأستاذ سيد قطب.
وفي السبعينيات أعاد التنظيم بناء نفسه داخل السجون وانتخب مرشدًا ومجلس شورى ومكتب إرشاد، وحين تم الخروج من المعتقلات في عام 1974 خرج التنظيم بكامل مؤسساته وهيئاته وخلال أعوام قليلة صار القوة الشعبية الكبرى التي استمرت كذلك، ولكن بدون وضع قانوني حتى الآن.
من يملك قرار الحل؟
لا يوجد بلائحة الجماعة ما يعطي الحق لأي فرد حتى (المرشد) أو مؤسسة من مؤسسات الجماعة حتى (مكتب الإرشاد) و(مجلس الشورى العام) قرار حل التنظيم.
ويزداد الأمر صعوبة وحرجًا لمتخذ قرار خطير كهذا حين نعلم أن الهدف من إقامة التنظيم في الأساس ورسالته هو نشر الدعوة الإسلامية بفكرتها الشمولية – والسياسة جزء منها- ونظرًا لارتباط التنظيم بهذا الهدف السامي والرسالة المقدسة فإن قرار حله أو توقفه يعتبر من الناحية العملية خيانة للفكرة وهذا أمر – بخبرتي ودراستي للإخوان- يتحمل أفراد الإخوان الموت ولا يتحملونه.
وربما أقصى ما تملكه القيادة من صلاحيات هو تجميد النشاط الثوري والسياسي ضد السلطة العسكرية في مصر، وهذا خاضع لتقديرات متشعبة وغير مضمونة من حيث المكسب والخسارة.
الغنيمة الباردة
حل التنظيم يعتبر غنيمة باردة وهدية على طبق من ذهب للنظام العسكري في مصر جاءت له من خصمه اللدود (الإخوان المسلمين) إذ إن هدف الحملة القمعية منذ بدايات الانقلاب هو القضاء الفعلي على التنظيم بأي ثمن وبأبشع الطرق، ابتداءً من مذبحة الحرس الجمهوري، وانتهاءً بمذبحة قيادات الإخوان بمدينة السادس من أكتوبر.
ولعل فشل الدولة العسكرية بأجهزتها الأمنية وأزرعها الإعلامية والاقتصادية ومؤسسة القضاء التي أصبحت مُسيسة طوال عامين في القضاء على تنظيم الإخوان ووقف الحراك الثورى تمامًا – حتى وإن نجحت في إضعافه– يعتبر بكل المقاييس فشلًا ذريعًا يصيب صاحب أي قوة متغطرسة بالحنق ويؤدي به إلى التخبط والشطط كما هو حادث، وبالتالي فإن قرار الحل يعطي النظام هدية مجانية فشل في الحصول عليها بجبروت السلاح.
ولعل صمود الإخوان أمام هذه الآلة الجهنمية للقمع والقتل لهذه المدة يعتبر بالمقاييس الحركية والتقديرات الأمنية معجزة تم دفع ثمنها دماء وتضحيات بالغة ولا أعتقد أن يفكر أي عاقل داخل أو خارج الجماعة بأن تتوج هذه التضحيات بقرار الحل.
الضمانة الغائبة
لعل الدافع الإنساني والعاطفي لمن أطلقوا هذه الدعوة مشكور ومحمود إلا أن النظرة العاقلة وبتحليل سلوك السلطة العسكرية في مصر نستطيع أن نستنتج منه أنه حتى لو تم حل التنظيم من تلقاء نفسه فإنه لا ضمانة لتوقف سيناريو القتل والتنكيل؛ حيث إن النظام بالفعل يحتاج إلى عدو لكي يشعل حربًا يواري بها سوءة فشله الذريع في ملف الاقتصاد والأمن والسياسة وسيروج على أنها خدعة من التنظيم وسيُسوق الأمر كنجاح له ويعلن استمرار المواجهات والمداهمات حتى القضاء التام على التنظيم ((اقرأ مقالي بساسة بوست هل يمكن القضاء على جماعة الإخوان)).
رابطة القلوب
الدارس لجماعة الإخوان المسلمين وأشخاصها والمحتك بهم يلمس رابطة عاطفية عجيبة وانسجامًا بين أفرادهم، رصدت ذلك كل الدراسات وذكرته حتى التقاري
ر الأمنية والمخابراتية عن الإخوان حتى كتب الصحفي والكاتب الكبير مصطفى أمين بعد زيارته للمركز العام للإخوان في أربعينات القرن الماضي ((نحن أمام جماعة مترابطة لدرجة أنه إذا عطس أحدهم في الإسكندرية قال له أخوه في أسوان يرحمكم الله)).
فالروابط بين الإخوان عاطفية وأخوية أكثر منها تنظيمية، وبالتالي أي قرار إداري أو سلطوي لا يستطيع فك هذه الروابط التي لا يملكها العباد.