إن ذكر الله حياة ونسيانه موت، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت”.
حقًّا إن الذي يذكر من أوجده ابتداءً بعد إذ لم يكن شيئًا مذكورًا، وأمده في كل لحظةٍ بأسباب بقائه ولم يتركه هملاً، ولم يجعل أمره فرطًا، فدله عن طريق رسله على أسباب سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة، إن الذي يذكر هذا الجميل للخالق الوهاب فهو الحي حقًّا ومن نسي فضل هذا الإله الكبير وجحد معروفه الجليل فهو الميت على الحقيقة وإن رآه الناس يدبُّ على أرض الله التي خلقها له واستعمره فيها فما عمرها، واستخلفه فيها فخالف عن أمره، ومهدها له وسلك له فيها سبلاً فأبى إلا أن يتنكب الطريق ويقتحم أصعب المسالك حتى أوردته المهالك، وأمرها أن تخرج له ما في بطنها رزقًا حسنًا منه سبحانه بغير استحقاق فأكل خيرها ومنع حقها وجحد فضل ربها، وقال بملء فيه: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)﴾ (الكهف: من الآية 35).
نعم.. إنَّ الغافل ميت حقًّا، وإن رآه الناس ناطقًا لَسِنًا؛ فإن اللسان الذي لا يلهج بفضل خالقه ومعروف سيده لا يزيده ما يخرج منه إلا رهقًا ولا يزيد كاهل صاحبه إلا وقرًا وفي الآخرة يحشر مع من كانت عاقبة أمره خسرًا، فاتقوا الله يا أولي الألباب وذوي البصائر قد أنزل الله إليكم ذكرًا.
نعم إن الغافل ميت حقًّا، وإن رآه الناس سميعًا بصيرًا؛ لأن الأذن التي خلقها الله تعالى لسماع القرآن ودروس العلم ومواعظ الصالحين فَصُمَّت عن هذا السماع واستبدلته بنقائضه لهي حاسة ميتة، وإن رأى الناس كتلة اللحم على جانبي وجه صاحبها وتأكدوا من سماعه لكلامهم، وكذلك العين التي لا تبصر ما في هذا الوجود من آيات الجمال فتدلها على بارئ الجمال ومثبت الأرض بالجبال ومنشئ السحاب الثقال فيلهج لسانه لرؤيا عينه بذكر ربه ذي الجلال.
إن عينًا لا ترى ذلك عين ميتة، وإن تحرك صاحبها في الزحام بلا اصطدام، إن من أدرك عظمة الله تعالى ولو كان مكفوفًا يتحسس خطاه بين الناس بعصا في يده، أو بطفل يقود خطوه فهو الذي يوصف بالحياة الحقيقية، إن حياة البصر ليست في إبصار الأجسام ولكن في إدراك ما وراءها من حقائق تهتف بحمد الله ومجده، وحياة السمع ليست في إدراك الكلمات والأصوات ولكن في إدراك المعاني والوصول إلي الحقائق التي تقود الخطا وتهدي السير وترسو بالسفينة على شاطئ الأمان عند رب كريم.