ذكريات ….. منذ ( 40 ) عاما
التوسل الى الله بالعمل الصالح …..
اتممت خدمتى العسكريه منتصف عام 1978 , استلمت عملى فى احد المكاتب الاستشاريه بالاسكندريه الحبيبه , وبعد ثلاثه شهور فقط وصلنى عرض للعمل الذى كنت احلم به , وهو كمهندس موقع من احدى شركات المقاولات الناشئه , وذلك فى مشروع لاقامه ( كمباوند ) فى منطقه ابو رواش بالهرم – صاحب الارض كان مستثمرا سابقا لعصره وكذلك كان صاحب الشركه , واتفقا على هذا المشروع الذى كان يبدوا خياليا فى ذلك الوقت ! – ذهبت الى هناك مع مدير المشروع الذى تم اختياره , وكان رجلا نحسبه صالحا , وكان يكبرنى باربع سنوات .
المكان فى تلك المنطقه وفى ذلك الوقت كان يبدو موحشا , والصحراء تحيط بالموقع مع وجود بعض الزراعات والاشجار والتى يتخللها بعض منازل للفلاحين والعمال الزراعيين , ولم نجد لنا مكانا الا استراحه بسيطه بها حجره واحده وعلى بعد مائه متر من موقع العمل , والمياه يتم نقلها للمكان يوميا والكهرباء تعمل بالمولد – ولكن المستثمر وعدنا بانه سيرسل لنا احد الصبيه من ابناء الفلاحين ليقوم بخدمتنا يوميا , ويكون مسؤولا عن كل شيئ فى الاستراحه , حتى نتفرغ ومعنا طاقم العمل , لاعمالنا الهندسيه .
وفى صباح اليوم التالى وصل لنا الصبى ( عبد الله ) ذو الثانيه عشر عاما كى يبدا فى عمله – جلس معه مديرى , وبدا يشرح له مهماته , والصبى منصت بتركيز شديد .
عندما عدنا من موقع العمل , وجدنا عبد الله , قد نفذ كل شيئ بدقه ولكن مع تبديل بعض الاشياء مكان اخرى , ونبهته الى هذا الامر ولكنه ظل لعده ايام على هذا الخلط ! , فاقترحت عليه ان اكتب له تفصيلا كل خطواته , فاخبرنى بانه لا يقرا ولا يكتب , فتعجبت لذلك وسالته , وكيف تقرا القران ؟ وكيف تعيش اساسا ؟ – ابتسم مستغربا من تعجبى !
وفى صباح اليوم التالى , اخبرنى مديرى الصالح باننا امام فرصه لا تعوض ! , فرصه ارسلها لنا المولى لنعمل عملا صالحا , ونكسب منه باذن الله ثوابا عظيما , وسوف نحتاج لعملنا هذا كى نتوسل به الى الله عند حدوث اى من الشدائد لنا ! , وماهو هذا العمل ؟ – بادرته بسؤالى فاخبرنى باننا سنصرف على تعليم هذا الصبى القراءه والكتابه حتى يستطيع قراءه القران , وترديد ايات الله .
بدا عبد الله فى حضور فصول محو الاميه المسائيه باحدى القرى القريبه من موقع العمل , وقام مديرى الفاضل باعطائه المصروفات , وحتى مصروفات المواصلات , وبعد فتره وجيزه استطاع عبد الله ان يجيد القراءه , فقد كان صبيا يشع الذكاء من عينيه , وهنا قررنا التقدم له للالتحاق بالابتدائيه الازهريه , والتى لا تتطلب عمرا محددا , ولكن لابد لها من امتحان قبول , وظل مديرى يجلس معه بالساعات ليراجع له امتحانات القبول المشابهه , واجتاز الامتحان , واصبح تلميذا ازهريا – وظلت متابعتنا له طوال مده المشروع والتى استمرت لاربع سنوات , وقبل انتهائنا من المشروع وعده مديرى بانه سيظل بجانبه طالما هو يتقدم .
– ظللت متابعا عن بعد لما يفعله مديرى مع عبد الله حيث انتقل من الابتدائيه , الى الاعداديه , ثم الى الثانويه , واجتاز بنجاح امتحان الثانويه الازهريه , ودخل احدى الكليات فى العلوم الشرعيه , وتفوق فيها بشكل لافت , وعند تخرجه كان من الاوائل , وتم تعيينه فى هيئه التدريس !!
ارادها مديرى الكريم ان تكون فرصه للتقرب الى الله , وارادها المولى ان تكون نعمه كبيره يخص بها عبد الله , ودرس عملى لى تعلمت منه كيفية صناعة الاعمال الصالحه .
( مديرى , والذى تعلمت منه الكثير طوال عمرى , يقبع الان فى سجون سفاح مصر , بل انه مازالا مختفيا قسريا , فالندعو له جميعا بان يزيل الله عنه وعن جميع اسيادنا فى السجون وعن امتنا , ذلك الغم والهم )