من الجدير بالذكر أن الإسلام انتشر في الهند وإندونيسيا وكثير من بلاد جنوب شرق آسيا عن طريق التجار لا العلماء والفتوح العسكرية، وذلك لما رأى أهل هذه البلاد في تجار المسلمين من الأسوة والقدوة السلوكية والأمانة والصدق.
فالدين الحقيقي لا ينتشر ولا يزدهر إلا بالقدوة أولا، قدوة السلوك والعمل؛ ولذلك فإن الله سبحانه وضع امتحانا للدين في قلوب الناس، وهذا الامتان هو نعيم الدنيا وزخرفها.
فإذا أردت أن تعرف أي دعوة من مبادئها، هل هذه المبادئ تنبع عن عقيدة وإخلاص أم عن زيف وخداع، فلا تنظر إلى الأمر في أوله حين يكون القائمون عليه لا يملكون شيئا، بل انظر إليه بعد أن ينتصر ويملك أسباب الدنيا، فإذا وجدت انحرافا عن هذه المبادئ وتخطيا لها وتجاهلا فاعلم أنما هي دعوة أهواء وشهوات، عارضتها المبادئ فطرحوها وتخلصوا منها.. وهذا يحدث في جميع الثورات والانقلابات في العالم التي يدعي أصحابها أنهم يريدون الإصلاح؛ لذلك تجدهم بعد فترة قد انحرفوا عن مبادئهم، وأنه لابد من تصحيح مسار الثورة.. لماذا؟ لأنها كانت من أجل الدنيا، ومن أجل الوصول إلى الحكم وليست من أجل الإصلاح ولا إقامة شرع الله في الأرض.
أما دعاة الحق فإنهم يدعون ويتحدثون عن منهج الله الذي رسمه سبحانه للحياة في الأرض، وهو المنهج الذي لن يصلح الكون إلا إذا تم تطبيقه، ولا يطبق إلا إذا وجد من يؤمن به يعمل بمنهاجه؛ لذلك كانوا قدوة في القول والفعل، وكذلك كان إمامهم وسيدهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت لفتة عظيمة في حياته صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه قريش المال والحكم، وكل نعيم الدنيا في أول الدعوة، ولو كان عليه الصلاة والسلام يقصد بدعوته الدنيا لوافق على هذه المغريات العظيمة التي عرضت عليه، ولكنه رفض بلا تردد ودون لحظة تفكير، وكانت حياته عليه الصلاة والسلام في أول الإسلام هي نفس الحياة التي عاش بها بعد أن انتشر دينه وأصبحت له دولة، لم يملأ بيته بفاخر الطعام ولا بنى قصرا ليسكن فيه، ولا جمع مالا في يملأ الخزائن، ولكنه ظل يعيش في نفس البيت المتواضع، وفي أيام كثيرة لا يكون عنده طعام يكفيه؛ فدل هذا أعظم دلالة على صدق ما كان يدعو إليه.
أمال عريضة ونفوس عظيمة
إننا كي نحقق الآمال الكبار التي ننشدها في حاجة إلى أصحاب النفوس العظيمة ذات الإرادة القوية، والوفاء الثابت والإيمان الصادق والتضحية العزيزة؛ ذلك أن مسؤولية الدعاة تجاه أنفسهم أضخم بكثير من مسؤولياتهم تجاه المجتمع، وخطورة التقصير فيما للدعاة على أنفسهم من واجبات يفوق خطورة التقصير فيما للمجتمع عليهم من حقوق، فالدعاة ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة للمجتمع الذي يعيشون فيه، تبدو في حياتهم آثار الرسالة التي يدعون الناس إليها، وترسم في خطاهم ملامح المبادئ التي يحملونها.