إليك يا بطلي
زوجي الحبيب وبطلي المجاهد:
لقد فرحنا بالعيد رغم طول الغياب وألم الفراق وشدة الشوق. أتدري لماذا؟ لأن طيفك لم يفارق خيالنا، وذكرك لم يفارق ألسنتنا؛ وسيرتك العطرة كانت فاكهة مجالسنا؛ فكل من زارنا في العيد أو زرناه من الأقارب والأهل والجيران يذكرك بخير، ويدعو لك آناء الليل وأطراف النهار، و كل منهم يُجلك ويحترمك ويقدرك، ويحمل لك في قلبه وداً عظيماً وحباً كبيراً، ولك في نفوس الجميع أطيب الأثر، وفي عقولهم أجمل الذكريات. لقد عرفنا منهم بعض ما كنت تخفيه عنا من أعمال ومواقف مشرفة، لا تصدر إلا من النبلاء و ذوي المروءات: أصحاب الأخلاق العالية، والنفوس الزاكية، والقلوب الكبيرة. لقد ازددنا معرفة بقيمتك، وعرفنا كم أنك عظيم.
لقد كان ذلك من أعظم دواعي فرحنا بالعيد رغم أن فراقك يلذع قلوبنا؛ فقد عشنا العيد كانك معنا، وفرحنا فيه بهذه الصورة الوضيئة المشرقة التي ارتسمت لك في قلوب الناس، تلك الصورة التي تزداد مع الأيام وضوحاً وإشراقاً. وتذكرنا بالحديث: “إذا أحب الله عبداً نادي يا جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه؛ فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض”. وحمدنا الله كثيراً أنك من هؤلاء الذين لا يتذكر لهم الناس إلا البر والخير والمعروف والمكرمات، ولا يلهجون عنهم إلا بالثناء والدعاء.
زوجي الحبيب وبطلي المجاهد:
كم أنا فخورة بك؛ فما تحركت أنا ولا أحد من أولادك في أمر، ولا سعي أحد منا في مصلحة، ولا نزل في مكان إلا سَبَقْتَنَا إليه، وكنت معنا فيه، وكان مجرد معرفة الناس بأننا أهلك يحل العقد، ويفتح المغاليق، ويذلل الصعاب، فعلمنا قدر الحب الذي أودعه الله تعالي لك في قلوب الناس، وعلمنا أيضاً أن الوقت الذي كنت تتركنا فيه، وتقضيه خارج البيت في خدمة الناس لم يضع هباء، وأن ما عايناه بأنفسنا في هذه الأيام هو بعض ثماره اليانعة، ولأجر الآخرة أكبر إن شاء الله، وإني لأرجو أن يكون لي ولأولادي نصيب من هذه الأجر، وكيف لا نتمني ذلك والله تعالي يقول: ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء﴾.
زوجي الحبيب وبطلي المجاهد:
إن الدنيا بأسرها لا تعوضني عن لحظة واحدة من لحظات السعادة في قربك، ولكني رغم ذلك سعيدة راضية بهذا الفراق؛ لأنه قدر الله الذي لا يختار لنا إلا الخير، ولأنه لم يحدث لنا في غفلة عن رب الكون، ولم يقع لنا رغماً عنه، فهو إذن وقع لنا بعلمه وإرادته، ولابد أن له في ذلك حكمة قد تتجلي لنا ولو بعد حين، وإني علي ثقة أن الله تعالي لن يضيعنا، وكأن كلمة هاجر عليها أفضل السلام ترن في أذني عبر القرون وهي تقول لإبراهيم عليه أزكي السلام وهو يهم بالمغادرة بعد أن أحضرها مع رضيعها إلي صحراء جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، ولا أنيس فيها ولا جليس، قالت له، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لن يضيعنا. وإني والله لا يخالجني شك أبداً أن الله تعالي لن يضيعنا وقد أقبلنا عليه ورغبنا فيه واخترناه علي ما سواه وبذلنا ذلك من أجله؛ فهو سبحانه أكرم الأكرمين، وإني علي ثقة أن الله تعالي سيحفظك لي ويردك سالماً غانماً، موفور الكرامة، مرفوع الرأس، مجبور الخاطر، ناصع الجبين، وإني والله أجد حفظ الله تعالي لك في بيتك وأولادك فكن مطمئن البال قرير العين؛ فوالله إنا لنحس أن يد الله تسبق أيدينا: يصنع لنا، ويدبر لنا، ويربي لنا أولادنا. وعندما تنجلي هذه الغمة عن قريب بإذن الله تعالي لن تجد إلا ما يسرك ويرضيك.
زوجي الحبيب وبطلي المجاهد:
أحب أن أطمئنك علي أولادك؛ فهم علي دربك سائرون، لم يغب عن عقولهم ولا قلوبهم هدفك الذي فارقتنا من أجله، وهم يقدرون تضحياتك من أجلهم، ومن أجل العقيدة والوطن، ويعلمون تمام العلم أنك في قيدك حتي تحطم قيود الوطن، وأنك في أسرك حتي ينال الوطن حريته، وأنك قد ضحيت براحتك حتي يرتاحوا هم وأبناء جيلهم والأجيال التالية، إنهم يعلمون ذلك ويقدرونه، وهم فخورون بك رغم أنهم مشفقون عليك، قلقون لأجلك، لكن ما غرسته فيهم من حب لدينهم ووطنهم هو الزاد الذي يعينهم علي تحمل هذه الضغوط، ويمنحهم الصبر علي فراقك، إنهم يأملون في غد قريب تشرق فيه شمس الحرية علي أوطاننا، وتكون أنت أحد الأبطال الذين رسموا البسمة علي وجه الوطن، وحطموا أغلاله، وحرروا أجياله.
زوجي الحبيب وبطلي المجاهد:
أوصيك بنفسك؛ فإنك لا تبتسم حتي تضحك لنا الدنيا، ونشعر بذلك في أعماقنا، فكن سعيداً حتي نسعد، وكن مرتاحاً حتي نرتاح، ولا تشغل نفسك بالتفكير فينا؛ فقد تولي الله تعالي عنك حمايتنا ورعايتنا؛ فهو خليفة المجاهدين في سبيله، وكفي به راعيا وحاميا ورازقاً ومدبراً، كما أننا والحمد لله في عزة ومنعة من دعوتنا المباركة التي كنت طريقنا إليها فجزاك الله عنا خيراً، وإني والله لأستحي أن أذكرك بالثبات علي المبادئ فقد علمتنا إياه، ولكني أقول لك أيها الحبيب: إن ثباتك يثبتنا، ويربط علي قلوبنا، ويردنا إلي الطريق إذا ألم بنا ما يدفعنا بعيداً عنه، والثبات يولد الثبات، والصمود ينتج الصمود، والنجاح يغري بالنجاح، والأمل هو الدافع للعمل، والصبر مفتاح الفرج، وإني في انتظار طرقاتك علي الباب قريباً بإذن الله تعالي، وحتي نلتقي أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. ﴿فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين﴾.