رمضان و مظاهر الأخطاء التربوية عند المربّي والمتربّي
عماد الدين الكناني
لقد شرع الله جل وعلا صيام هذا الشهر من أجل تحقيق غاية سامية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) سورة البقرة: 183. والمسلم الصادق – سواء كان مربّياً أو متربّياً – يجب أن يحرص على التمسّك بكل ما من شأنه أن يقرّبه من تحقيق هذه الغاية، وأن يبتعد عن كل ما يُعَدُّ خللاً تربوياً مناقضاً لها.
فالمربّون من دعاة ومعلّمين ومصلحين – بصورة خاصّة – من واجبهم أن يزيدوا حرصهم لتحصيل كلّ ما من شأنه مساندة رسالتهم التربوية، سواء كان ذلك على مستوى البرامج، أو الأهداف، أو الوسائل، أو غير ذلك، إذ أنّهم يعتبرون الأداة الأكثر فاعلية في إيصال مضمون الرسالة التربوية.
ومن باب التسديد والمقاربة، لا بد أن نحرص جميعاً على تعقّب مظاهر الأخطاء التربوية، حتى نعمل على معالجتها، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أنّ هذه الأخطاء عامة! أو أنّه لم يسلم منها أحد! بل أنّها تتفاوت وتختلف باختلاف الأفراد من المربّين والمتربّين.
وعلى وجه العموم فما يلي يشكّل جملة لأبرز هذه الأخطاء، آملين من الله جلّ وعلا أن يعيننا على إصلاح أنفسنا، وإخواننا المسلمين.
أولاً: أخطاء المربّين :
1. ضعف التأهيل والحصيلة التربوية لدى كثير من المربّين، وخاصّة قليلي الخبرة من صغار السن.
2. عدم وجود رؤية واضحة ومنهجية للبرامج والمواد التربوية التي يتطلّبها هذا الشهر، وهذا قد يفرز تخبّطاً يقلل من فاعلية الرسالة التربوية.
3. عدم وجود جدول مسبق ومحدّد المعالم لما يودّ المربّي تقديمه في هذا الشهر الكريم.
4. قصر أغلب الدروس على تناول الجوانب التي تصحّح العبادة، مع قلّة المواد التربوية المتعلّقة باستغلال شهر رمضان في تربية النفس وتزكيتها، وتربية الأبناء وأهل البيت، ومعالجة ما عندهم من مظاهر الخلل التربوي.
5. اقتصار المعالجات التربوية على جانب الفتوى وبيان الحلال والحرام، وغياب جانب المعالجة التربوية التي تتلمّس جوانب المشكلة بصورة دقيقة، ثمّ تقدّم الخطوات العملية اللازمة لحلّها.
6. غياب الأهداف التربوية ذات الصياغة المدروسة، أو عدم وضوحها من خلال من المعالجات التربوية المقدمة.
7. قصر بعض المربّين برامجهم على العناية بالنفس دون المجتمع.
8. تسلّل ضعف الهمّة لبعض المربّين، وذلك مع توالي أيام الشهر.
9. الصورة التقليدية لدرس المسجد, وفقد روح التجديد والتشويق في الخطاب، مما يؤدي لغياب التفاعل والتّواصل بن المُلقي والمتلقّي.
10. ضعف الجانب الابتكاري، وغياب عوامل الجاذبية والتجديد بالنسبة لبرامج المسجد، مع تكرارٍ في بعض المواد الملقاة، بنفس الأسلوب، وبنفس العبارات.
11. حرص بعض أئمة المساجد على المسارعة في قراءة القرآن في صلاة القيام، وذلك بصورة تُخِلُّ بترتيل آياته، وتدبّر معانيها، وذلك بهدف ختمه واستكمال قراءته.
12. غياب التّجديد في المادة الدعويّة المكتوبة والمسموعة (أشرطة/ كتب/ رسائل/ مطويات) مع ضعف أو غياب الأفكار والبرامج التربوية الرصينة.
13. غفلة بعض المربّين عن إيجاد توازن بين الحاجات التربوية لأسرته ولمجتمعه، وهذا قد ينجم عنه نوع من القصور في رعاية المربّي لأسرته بالصورة المطلوبة، وصياغة برنامج خاص لهم.
14. إتباع الصورة التقليدية للنشاط الدعوي، والغفلة عن الاستفادة من بعض الوسائل المؤثرة، والتي تزيد من توثيق الصلة بالمتربّين، كالالتقاء بالمصلين، ومشاركتهم في بعض حلقات التلاوة، وتفقّد بعض أهل الحيّ في منازلهم، وصياغة برامج خاصة بشباب المسجد، وآخر للنساء، وآخر للأطفال… وإلخ
15. تفويت بعض الفرص المتاحة لدعوة المقصّرين، مثل تجمعات الإفطار الجماعي للصائمين، وتجمعات الشباب اللّيلية في البر، والأماكن التي يقضون فيها أوقاتهم.
16. ظهور مظاهر الخمول والتّعب على وجوه بعض المدرّسين، وذلك من جرّاء السّهر، وهذا بدوره قد يقدّم للطلاب انطباعاً وقدوة سيئة، ورسائل ذات مضمون سالب، مفادها أنّ رمضان موسم للسّهر والبطالة وترك العمل أو التّفريط فيه… وإلخ.
17. ضعف البرامج المدرسية، والأنشطة المصاحبة – إن لم تكن غائبة بالمرة – والتي ينبغي أن تركّز على بعض الأهداف السلوكية الرامية للاستفادة من رمضان، وذلك باعتباره موسماً تربويّاً مهمّاً في حياة المسلم.
18. ضعف البرامج التربوية المقدّمة للنساء، والهادفة لبناء المرأة بناءاً تربويّا سليماً، وتفعيل دورها في داخل أسرتها في هذا الشهر، سواء كانت زوجة، أو أمّا، أو أختاً، أو ابنةً، وقصر الخطاب على تناول أمور معينة ومكررة، مثل منكرات الأسواق.. وإلخ.
ثانياً: أخطاء المتربّين:
1. غياب الفهم الكامل والسليم للهدف من الصوم, فالبعض ينظر للفائدة الصحية، والبعض يظنه إمساك عن المباح من شهوتي البطن والفرج فقط، مع عدم التحرّز الوقوع في المحرّمات.
2. الإقبال على الصيام بروح التضجّر والملل، وعدم استشعار القيمة الحقيقية لأيّام هذا الشهر من مغفرة للذنوب، ورفع للدرجات وغير ذلك.
3. التفريط في أمر الصلوات والناس في هذا درجات:
أ. من يصوم رمضان, ولا يصلي فيه ولا في غيره.
ب. من يصوم رمضان ولا يصلي إلا فيه.
ت. من يصوم رمضان ولا يعرف الصلاة ولا الجماعة طيلة أيام العام، إلا صلاة الجمعة, وصلاة المغرب في رمضان!!.
ث. من يصوم رمضان ويترك صلاة الفجر والظهر والعصر جماعة، ويصليهن في بيته،وربما كان خارج أوقاتهن.
ج. من يصوم رمضان ويترك صلاة الفجر طيلة العام, وربما يصليها في رمضان إن كان مستيقظاً!!.
ح. من يصوم رمضان ولكنه لا يعرف طريق المسجد والجماعة، لا في رمضان ولا في غيره.
خ. من يصوم رمضان وينشط في أوله بالصلاة، إلا أنّه يكسل بعد مضي أيام منه, لا سيما الأيام الفاضلة في آخره.
د. من يصوم رمضان ويحرص على صلاة التراويح، وتجده في الوقت نفسه يتخلّف ويفرّط في الصلوات المفروضة.
ذ. من يصوم رمضان ويصلي مع جماعة المسلمين, إلا أنّه لا يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام, وربما تفوته الجماعة، وإضافة إلى ذلك فهو مضيّع للسنن القبلية والبعدية.
4. الإسراف والتبذير، حيث يستقبل بعض المسلمين هذا الشهر الكريم بالمبالغة في شراء الأطعمة والمشروبات، والأواني المنزلية بكميات هائلة بدلاً من الاستعداد للطاعة، والاقتصاد ومشاركة الفقراء والمحتاجين.
5. إعداد الوجبات بكميات أكبر من حاجة الأسرة، وطرح الفائض في المزابل بدلاً من جعله صدقة لجمعيات البرّ، وغيرها من جهات العمل الخيري.
6. ضيق صدر البعض، وذلك بمقابلة الشتم بالشتم، ومبادلة الجهل بمثله، وخاصّة عند بعض قائدي السيارات. فبقرب وقت الإفطار تكثر الحوادث، ويسدُّ البعض المسارات الخاصّة بالسيارات الأخرى…وإلخ.
7. السّهر بنيّة نوم النهار، وليته كان سهراً في الطاعات!.
8. اعتبار أيام الشهر أياماً للنوم والكسل، وترك العمل والإنتاج.
9. تضييع الأوقات الفاضلة، وصرفها في متابعة البرامج التلفازية، والمسلسلات والأفلام الهابطة.
10. غفلة بعض الآباء والأمّهات عن تعليم الأبناء الصغار، وتلقينهم المبادئ الأساسية لما يجب عليهم فعله في هذا الشهر، وما يرافق ذلك من حثّ وتعويد على الصوم وتحبيبه لهم.
11. غفلة بعض الآباء والأمّهات، أو تغافلهم عن المظاهر السّالبة في البيت، كفطر بعض المكلّفين من أهل البيت، ومظاهر التفريط في الصلاة، وتضييع الأوقات في السهر والذي هو في أقلّ درجاته متابعة للّغو، وهذا إن لم يكن الأبوان مشاركان فيه.
12. غياب البرامج والجلسات الأسرية التي تهدف لزيادة الترابط داخل الأسرة على مستوى البيت وعلى مستوى الأقارب والعائلة، وإن جدت فكثيراً ما تخرج عن مسارها، فتصبح جلسات لمجرّد الأنس وتبادل الأحاديث، دون التناصح، بل وقد تكون في غير طاعة.
13. عدم الاهتمام بتلاوة القرآن بالصورة اللائقة بهذا الشهر، ومن ذلك ضعف اهتمام الأسرة بالقرآن، وقلة حلقات التلاوة في التي تجمع أفراد الأسرة. وضعف الإقبال على حلقات التلاوة في المساجد.
14. الإقبال على المساجد في أول أيام الشهر ثم هجرانها.
15. الغفلة وإضاعة بعض السنن كالتراويح، وفضيلة التعبّد في العشر الأواخر، بما في ذلك تحرّي ليلة القدر، وهذا يقع من أهل الأسواق خاصّة من التجّار، ومرتاديها من الأسر، وكذلك تضييع سنّة الاعتكاف، بالرغم من حصول كثير من العاملين على إجازة تمكنهم من الاعتكاف، ولو جزءاً من العشر الأواخر.
16. الغفلة والتقصير في أعمال البرّ كالإنفاق وتفقّد الفقراء، وذوي الحاجات، من المرضى الضعفاء في المستشفيات، وأماكن إيواء العجزة والمسنين، وأُسرِ المسجونين، والأرامل الأيتام.
17. الانتكاسة بعد انصرام الشهر، بالانقطاع عن الصوم، وعدم الاستفادة من آثاره الصوم فيما يأتي من الأيام، بالعودة للمعاصي واتباع الشهوات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.