زيد بن ثابت رضي الله عنه (الغلام ذو الهمة العالية)
هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، يُكنّى أبا سعيد، كان عمره لما قدِم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة إحدى عشرة سنة، استَصغره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر فردّه ولم يجز له الخروج، وكذلك لم يُجِزّ له يوم أُحُد، فكانت أول مشاهده الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، فعلى رغم صغر سنه، أبى إلا أن يأخذ أجر الجهاد في سبيل الله عز وجل، ولو بمساهمة بسيطة جداً كنقل التراب، فكان يوم الخندق ينقل مع المسلمين التراب الناتج من حفر الخندق، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إنه نعم الغلام!”.
فوالله ما أحوج أبناء أمتنا الصغار أن يتشربوا حب دين الله –عز وجل – وهم صغار، يتشربوه كما تشربه زيد بن ثابت وغيره من الصحابة أيام صباهم، فلك أن تتخيل أن الذي يبادر لنصرة دين الله –عز وجل – هو غلام في الحادية عشر من عمره، فلم يعذر نفسه عن المبادرة لتلبية نداء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رغم صغر سنه !!! فوالله ما أخجلنا نحن شباب المسلمين اليوم، فكم من فرصة أتيحت لنا للمساهمة في خدمة دين الله – عزّ وجلّ – بالدعوة إليه بين شباب أمتنا الغافل الذي في حاجة ماسة إلى من يحنو عليه، ويُبّصره بما يُحاك به وبأمتنا جمعاء، نُقرّبه إلى دين الله -عزّ وجلّ- بالحسنى وبالموعظة الحسنة.
أعزّ القرآن فأعزه:
كانت مع زيد بن ثابت راية بني النجار يوم تبوك، كانت تلك الراية مع عُمارة بن حزم – رضي الله عنه -، فأخذها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منه فدفعها لزيد بن ثابت، فقال عُمارة لرسول الله: يا رسول الله، بَلَغَك عنّي شئ ؟! قال: ” لا، ولكن القرآن يُقَدّم، وزيد أكثر أخذاً للقرآن منك “.
علو همته في تعلّم لغة يهود في وقت بسيط
كان زيد يكتب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – الوحي وغيره، يقول زيد عن نفسه:
أُتيَ بي للنبي – صلى الله عليه وسلم- حين قَدِمَ المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: ” تَعَلّم كتاب يهود – أي لغتهم – ؛ فإني ما آمنهم على كتابي”. فتعلمته في بضعة أيام، فما مضى لي نصف شهرٍ حتى حَذِقته – أي أتقنته -، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له.
وكتب بعد النبي – صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر، وعمر.
جمعه للقرآن الكريم:
أرسل أبو بكر لزيد بن ثابت وأخبره بأخبار مقتل أهل اليمامة في حروب الردّة، وكان عنده عمر، فقال أبو بكر لزيد: ” إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء الناس، وإني أخشى أن يذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن يُجمَع القرآن، فقلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم أزل عمر أراجع أبو بكر فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر”.
فقال أبو بكر لزيد: ” وإنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتتبع القرآن فاجمعه”. فقال زيد بن ثابت – رضي الله عنه – تعليقاً على هذا التكليف الذي كلفه به أبو بكر – رضي الله عنه – :
فوالله لو كلّفتني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرتني به من جمع القرآن.
فقال زيد لأبي بكر وعمر – رضي الله عن الجميع -: كبف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجع زيد في هذا الأمر حتى شرح صدره للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فقام زيد فتتبع القرآن أمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال.
كتابته لمصحف عثمان
لمّا أراد عثمان بن عفان – رضي الله عنه – نسخ القرآن في عدة مصاحف ليرسلها إلى البلدان، أرسل إلى أُبيّ بن كعب –رضي الله عنه – ، فكان يُملي على زيد بن ثابت وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يُعرِبه، فهذا المصحف على قراءة أُبيّ وزيد.
وعن توقير الصحابة – رضوان الله عليهم – له
روي عن الشعبي، قال: ذهب زيدٌ بن ثابت ليَركب، فأمسك ابنُ عباسٍ بالرّكاب – أي ركب زيد الدابة فأمسك ابن عباس بلجام الدابة ليسوقه إلى ما يريد -، فقال زيد بن ثابت: تنح يا بن عمّ رسول الله. فقال ابن عباس له: لا، فهكذا يُفعَل بالعلماء والكُبراء.
من مناقبه رضي الله عنه:
روي عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :
أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله -عز وجل- عمر، وأصدقها حياءً عثمان، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت.
وكان زيدٌ من أعلم الصحابة والراسخين في العلم، كان زيدٌ من أفكه الناس إذا خلا مع أهله، ومن أوقر الناس في مجلسه إذا جلس مع القوم.
كان أحد أصحاب الفتوى، وهم ستة؛ عمر، وعلىّ، وابن مسعود، وأُبيّ، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وكان رأساً بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض.
مات زيدٌ في عمر خمس وأربعين، وقال أبو هريرة حين مات: اليوم مات حَبْرُ هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً.
وقال عمار بن أبي عمار : لما مات زيد بن ثابت جلسنا إلى ابن عباس في ظل قصر، فقال: هكذا ذهاب العلم لقد ذهب اليوم علم كثير.