من القلب إلي القلب
الحمد لله الذي هدانا للإيمان وأنعم علينا بنعمة الإسلام وأقامنا في طاعته واستعملنا في خدمته، وخصنا بالانتساب إليه، وألف بين قلوبنا وجمعنا علي طريق دعوته علي غير أرحام بيننا و لا أنساب ولا أموال نتعاطاها ولا مصالح نتبادلها، وأمدنا بالطاقة لتحمل تبعات الطريق علي ما بنا من ضعف وقصور، ونصلي ونسلم علي خير خلق الله محمد بن عبد الله النبي الأمي والرسول الخاتم وعلي آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين وبعد.
أيها الإخوان: إذا ضاقت بكم السبل فاعلموا أن سبيل الله لا يضيق بالسالكين، و إذا أغلقت دونكم الأبواب فاعلموا أن باب الله لا يقف عليه بواب ولا يحول دونه حجاب، فأقبلوا علي الله تعالي وحده، وكونوا معه في كل حال يكن معكم ويثبت أقدامكم، أقبلوا عليه يقبل عليكم، انصروه علي أنفسكم ينصركم علي عدوكم، ثقوا بوعده ينجزكم إياه، وتعلقوا به تعلق إبراهيم عليه السلام وهو في النار يأتيه الملك ليلبي حاجته فيقول: “أما إليك فلا وأما إلي ربي فعلمه بحالي يغنينه عن سؤالي” فكانت النتيجة: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء:69- 73).
وتعلقوا بالله تعالي تعلق أيوب عليه السلام عندما أصابه الضر ومسه الشيطان بنصب وعذاب فنادي ربه ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (الأنبياء: من الآية 83) فكانت الإجابة السريعة: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 84) و يا لها من ذكري تهتف بكل قلب أن التعلق بالله وحده دون العالمين هو باب الرجاء وطريق الوصول. وتعلقوا بالله تعالي تعلق يونس عليه السلام في وسط الظلمات الثلاث: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، ونادوا كما نادي: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنبياء: من الآية 87) تأتيكم الإجابة كما جاءته: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنبياء: 88). وتعلقوا بالله تعالي تعلق زكريا عليه السلام وقد تاقت نفسه إلي الولد وقد كبرت سنه ووهن عظمه واشتعل رأسه شيباً وامرأته لا تنجب فأعطاه الله ما أراد ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الأنبياء: 89- 90).
أيها الإخوان:
تذكروا الأيام الخوالي أيام كنتم تجوبون الأرض دعوة، وتملأون الدنيا نشاطاً، وكان الواحد يستيقظ قبل الفجر لينال نصيبه من السحر، ويبدأ يومه بالوظيفة الكبري أو الصغري في ذكر خاشع وقلب ضارع، ثم يذهب الواحد منكم إلي عمله في جد ونشاط فيقوم بحقه خير قيام ويكون فيه المقدم والمبرز، ثم يخرج من عمله إلي أنشطة الدعوة وواجباتها ويستمر ذلك إلي الليل ولم يمنعكم هذا النشاط وهذا الشغل أن تجدوا وقتاً لأنفسكم في خلوة مع الله؛ فحافظتم علي أورادكم من القرآن والذكر والصيام والقيام ، ووازنتم بين العبادة الخاصة وخدمة المجتمع، واليوم أيها الأحباب قد أتيح لكم من الوقت للخلوة مع الله ما لم يكن متاحاً لكم في أي وقت مضي فإذا لم نغتنم هذه الفرصة فهو الغبن والله والخسارة التي حذرنا منها حبيبنا صلي الله عليه وسلم بقوله: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”. فيا من واظبت علي تلاوة جزء من كتاب الله تعالي في زحمة الأعمال كيف بك لا تجعله اليوم جزأين أو ثلاثة، ويامن كنت تغالب ظروفك وتحاول حفظ ما تيسر لك من كتاب الله تعالي في غمرة العمل وضغط الحياة فكيف لا تواصل ذلك اليوم، فسارعوا وبادروا وأقبلوا علي العبادة وتذكروا قول الإمام الشهيد رحمه الله: “كونوا عباداً قبل أن تكونوا قواداً تصل بكم العبادة إلي أفضل قيادة”.
أيها الإخوان:
تذكروا أن الأخوة في الله تعالي لها مكانة خاصة في الإسلام، ولها منزلة كبيرة في دعوة الإخوان؛ فالمؤمنون إخوة، وأخوّة الإيمان أعظم من أخوة النسب، وأثقل في ميزان الله تعالي من كل الروابط التي يجتمع حولها البشر، والأخوة سرة القوة ، ودعامة البناء، وأس النجاح، وأصل التماسك والترابط، والأخوة تستوجب الحب والنصرة والموالاة والنصح والمعونة؛ فتذاكروا أيها الأحباب تلك الرابطة، وأحيوها بالقول والعمل، واستشعروا قيمتها وأهميتها، وحافظوا علي قوتها ومتانتها، وابتعدوا عن كل ما يوهي عري الأخوة ويضعف البناء؛ فيغري العدو ويؤخر النصر. وليكن شعارك: “إذا عز أخوك فهن” وليكن عملك بناء الجسور، وتأليف القلوب وتقوية العلاقات، ولتكن حمالاً للكل، حمالاً للجفوة أو التقصير أو حتي الإساءة من إخوانك في سبيل الله، و لتكن نفسك أصغر عندك من شسع نعل أخيك الذي يسير معك في طريق الله وإن لم يرق لك بعض سلوكه أحياناً.
وامنحه حقه من حبك ونصحك وصبرك، ولا تضجر من كثر النصح وضعف الاستجابة فقد كتب لك الأجر، والمزيد من الأجر في استكمال الطريق رغم الصعاب والعثرات، ومواصلة العطاء والحب والنصح والتواصل والصبر، وكونوا مع إخوانكم كاليدين تغسل إحداهما الأخري، وتحملوا منهم ما لا يمكنكم تحمله من غيرهم فلهم عليكم حق مضاعف، وأحسنوا الظن، والتمسوا المعاذير، وأقيلوا العثرات، واقبلوا من المحسن، وتجاوزوا عن المسيء، وخذوا بيد المقصر، وكونوا في ظهر المتقدم، ولا تتركوا المتأخر، ومن رغب عنكم فلا ترغبوا عنه، ومن زهد فيكم فلا تزهدوا فيه، وخذوا ما تيسر، ولا تيأسوا مما تعسر، ورصوا الصفوف وسدوا الثغرات، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر. واجمعوا القلوب حول الدعوة؛ فهو النصر المبين لو كنتم تعلمون.
أيها الإخوان:
احذروا من الدعاية السوداء التي تستهدف منهجكم وجماعتكم ورموزكم وتاريخكم، وتذكروا أن الثقة التي أردها الإمام البنا رحمه الله هي اطمئنان الجندي إلي قائده في إيمانه وكفاءته اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة. ولا تأخذوا أخبار الجماعة من غير مصادرها الرسمية، واعلموا أن أعداء الدعوة في الداخل والخارج لا هم لهم إلا شق الصف وتفتيت الجماعة، وتشويه تاريخها وجهادها وتاريخها ورجالاتها، و لذلك فهم يقسمون الإخوان إلي جهاديين ودعويين، ويقسمونهم إلي ثوريين وإصلاحيين، ويقسمونهم إلي حمائم وصقور، وإلي شباب وشيوخ، وإلي أصحاب الشرعية الواقعية وأصحاب الشرعية التاريخية، ويصفون البعض أنهم قطبيون والبعض الآخر أنهم كماليون إلي غير ذلك من التقسيمات التي يعلم الله تعالي أن الإخوان أبعد ما يكونون عنها، وأنها تتنافي مع طبيعة الدعوة وثوابتها وآدابها وأعرافها وتاريخها وسلوك رجالها ونسائها في كل مراحلها من الرخاء والشدة. فتيقظوا لهذي الفري، وانتبهوا لهذه المكائد، واحترسوا من هذه الفخاخ، وتمسكوا بحبل أخوتكم ففيها النجاة بإذن الله.
أيها الاخوان:
تذكروا أن رعاية أسر أصحاب الفضل حق لهم وواجب علينا، لا منة ولا تفضلاً ولا عطاءً ولا هبة، واعلموا أن القيام بحقوقهم واجب علينا جميعاً وهو معلوم بالضرورة لا يحتاج إلي تكليف؛ فلتكن الذاتية الإيمانية والقيام بحقوق الأخوة هي الباعث الأصيل والدافع الأساسي للقيام بهذه الحقوق، وابذلوا في ذلك وسعكم والله تعالي هو الذي يتولي الكفاية؛ فعطاؤه بلا حدود، وخزائنه ملآي لا تغيضها نفقة، ولا تستسلموا لضغوط الواقع، واعلموا أن قيامكم بهذه الحقوق من أهم العوامل في صمود البيوت وتماسك الجماعة واستمرار الدعوة وبقاء جذوة الثورة، فاعملوا وأبشروا وبشروا والله معكم ولن يتركم أعمالكم والله أكبر ولله الحمد.