إنَّ روح الداعية العامل لدين الله هي رؤية أثر دعوته في مريديه ، وأنَّ سعادته تظهر على قسمات وجهه حينما يرى روح التغير تسري في مجتمعه وأمته .
ويضيق ذرعاً حينما يرى الإعراض عن دعوته وإنكار الجميل ممن حوله ، واستشراء الفساد وانحطاط الأخلاق في أمته .
هذا الضيق الذي يكتم على صدر الداعية في زمن الفتن وغربة الدين “وإن كان طبيعة بشرية ” ولكنه يحتاج إلى بعض المعينات حتى يتغلب عليه الداعية .
وهذا ما سنتناوله في هذه السلسلة
معينات الداعية في زمن الفتن
“1”
الاقتداء بالرسول ﷺ
إن كان العلماء هم ورثة الأنبياء ، وأنَّ الدعاة إلى الله هم من رضوا لأنفسهم أن يخلُفوا رسول الله ﷺ في وظيفته (وهى هداية الناس وإرشادهم إلى الهدى وإنذارهم من مغبة معصية الله والبعد عن منهجه ) .
فلابد لهؤلاء الدعاة أن ينظروا في سيرة الرسول ﷺ ، وأن يقتدوا به في تحمل تبعات هذه الوظيفة . حتى يهون عليهم ما هم فيه ، فيتغلبوا على هذا الهمَّ الجاثم على الصدور من تبعات إعراض الناس عنهم .
فقدوتنا ﷺ أيضا بطبيعته البشرية أصابه بعض الشئ من جراء إعراض الناس عن دعوة الله ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) فكيف لهؤلاء الناس أن يُكذّبوا بكلام ربهم وقد ظهرت كل الدلائل والبراهين على صدقه ، كيف لهؤلاء البشر الضعفاء أن يتحدوا ملك الملوك؛ خالقهم ورازقهم ومن بيده ملكوت السموات والأرض إن شاء يخسف بهم الأرض وإن شاء ينزل عليهم صاعقة من السماء ، كيف لهؤلاء المساكين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا أن يجعلوا لله شركاء .
وكيف لهم أن يكذبوا رسول الله ﷺ بحجة أنه ليس من الأغنياء أو أنه لا يملك القصور ولا الكنوز ( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )
هذا الخوف من رسول الله ﷺ على البشرية ، وهذه الغيرة الشديدة على دعوة الله ، وهذا الحرص الشديد على هداية الناس الذي جعله ضائقا غاضبا أرشده الله تعالى كيف يضبطه ويتغلب عليه بعدة أمور هي :ـ
أولا : أن يعلم أن هدايه البشر بيد الله وليس بيد أحد قال ـ تعالى ـ: ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ” وقال تعالى: ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ولما حرص رسول الله ﷺ على إسلام عمه ابو طالب نزل قوله : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) فهداية البشر بيد الله تعالى وما الرسول ﷺ والدعاة من بعده إلا أسباب .
ثانيا : أن يعلم أن الأكثرية من البشر غير حريصين على الأيمان يتبعون سبل الشيطان قال تعالى ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) وقال ـ تعالى ـ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ومادام الأمر كذلك ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ )
وأرشده تعالى إلى بعض الوسائل التي يعالج بها ضيق الصدر وصعوبة الدعوة ومنها :ـ
أولا : كثرة التسبيح والسجود بين يدي الله قال ـ تعالى ـ ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ـ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ـ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )
ثانيا : قيام الليل فهو يهون على الداعية متاعب النهار قال ـ تعالى ـ ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا )
ثالثا : التمسك بكتاب الله وملازمته وتدبره يهون على الدعاء كل المصاعب قال ـ تعالى ـ : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
فهيا أيها الدعاة نقتدي برسول الله ﷺ في قوته وقدرته في الاستمرار في الدعوة والتغلب على متاعبها وأعبائها فننطلق في دعوتنا منشرح الصدر مرفوع الرأس نأخذ بالأسباب ونيقن أنّ النتائج بيد الله .
كاتب المقال : منصة ومضات
تنير الدروب