عقليَّةُ النَّصر والهزيمة !
خلال عامه الأول في جامعي بيركلي، وصل “جورج دانتزيغ” متأخراً إلى الصف، فوجد مسألتين على السبورة، قام بنسخهما وأخذهما إلى المنزل معتقداً أنهما واجب منزلي، بعد عدة أيام قام “دانتزيغ” بالاعتذار من أستاذه لتأخره في إعادة الواجب الذي كان أصعب قليلاً من المستوى المعتاد !
القصة لم تنتهِ هنا، فبعد مراجعة الحل لحوالي ستة أسابيع، قام الأستاذ باستدعاء جورج إلى مكتبه، وقال له : هذه المسائل لم تكن واجباً، وإنما كتبتها على السبورة كمثال عن مسائل رياضية عجز العلماء عن حلها ! لقد اجتمعنا لمدة ستة أسابيع وناقشنا ما قمتَ به، أهنئك يا بُني لقد قمتَ بحل المسائل حلاً صحيحاً !
لا شك أن “جورج دانتزيغ” عبقري في الرياضيات، والمسائل التي حلها كانت فاتحة نبوغه وتفوقه في هذا المجال، ولكن برأيي هناك عامل أثّرَ في نجاحه في حل هذه المسائل بالإضافة إلى قدراته التي لا أقلل منها ألا وهو انطلاقه في حلها بعقلية أن هناك حل، وأعتقد أنه لو حضر إلى المحاضرة مبكراً وسمع أستاذه يقول هذه المسائل لا حل لها، لربما لم يكن ليعمل عقله فيها، ولو أعمله فمن باب الترف، وهذا لا شك ترف مدفوع بعقلية أن لا حل للمسائل، ولكنه عندما اعتقد أنها واجب منزلي، أعمل عقله فيها على أن هناك حل لا محالة، لذلك أمضى وقته يبحث عن الحل، بعكس بقية الطلاب الذين ربما قالوا ما دام علماء الرياضيات قد عجزوا عن حلها فهل سننجح نحن !
الفكرة أن آراء الآخرين، وانطباعاتهم السابقة، هي قيود لنا، شئنا أم أبينا، أحكام الناس السابقة تؤثر في أفعالنا أو ردات أفعالنا، صحيح أنه في بعض الأحيان تشكل هذه الانطباعات حافزاً يملؤنا بالتحدي، ولكنها في أغلب الأحيان مثبطات وهزائم مسبقة ! سر الإنجاز أن لا نسمح بأن يكبلنا الآخرون مسبقاً، لأن سر النجاح هو أن نؤمن بداية بقدرتنا على النجاح، الإنسان المهزوم في داخله لا يمكن أن ينتصر !
بعيداً عن الرياضيات، ولكن في نفس الفكرة لطالما استوقفني موقف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قبل معركة بدر، فعندما اصطفَّ الجيشان قبالة بعضهما البعض، نظر في جيش قريش ثم في جيش المسلمين وقال لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه : إن كل ما أمامي لا يخيفني، هم أكثر منا عدداً ولكننا بالإيمان أكثر قوة !
لقد انتصر حمزة قبل أن تبدأ المعركة، لأنه كان منتصراً في أعماقه، كل ما أمامه لم يكن يخيفه، العدد لا يعنيه، إنه يؤمن أن الإيمان هو الذي يحسم المعارك، وما انتقموا منه يوم أُحد إلا لأنه كان يوم بدر أشرس جنود المسلمين وأكثرهم إثخاناً في قريش !
لكل هزيمة سبب، ولكل نصر سبب، ولكن أول أسباب النصر والهزيمة تبدأ من داخلنا لا من الظروف المحيطة بنا !