لما اشتدّ حصار جيوش المسلمين ببيت المقدس سنة 636م، أطلّ البطريرك صفرونيوس على المحاصرين من فوق أسوار المدينة، وقال لهم: إنا نريد أن نسلّم ولكن بشرط أن يكون التسليم لأميركم. فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب يقول: إن القوم يريدون تسليم المدينة لكنهم يشترطون أن يكون ذلك ليدك شخصيا.
واستجاب عمر، فلما وصل إلى أسوار القدس وجد نصاراها في استقباله وعلى رأسهم صفرونيوس، وتحدث عمر فقال: يا أهل ايلياء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ثم دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القبر المقدس (كنيسة القيامة) فلبى الدعوة، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال له مكانك صلّ.. فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا.
العهد العمري
وقد أعطى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عهدا إلى أهل إيلياء، جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل ايلياء من الأمان، أعطاهم لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها، انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ،ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل ايلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن أحب من أهل ايلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل ايلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة للهجرة.
منــذ أن تسـلـــــم الفاروق عمر مفـــاتـــيـــــح بيــــت المقــدس بعهـــد رسمــــي.. وبيـــت المقـــــدس وقف للمسلمين يدافعون عنه ويروونه بدمائهم.
تاريخ الطبري الجزء الثالث ص 609.