لو لم يكن للخشوع في الصلاة إلا فضل الانكسار بين يدي الله، وإظهار الذل والمسكنة له ,لكفى بذلك فضلاً ،وذلك لأن الله جل جلاله إنما خلقنا للعبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] وأفضل العبادات ما كان فيها الانكسار والذل الذي هو سرها ولبها. ولا يتحقق ذلك إلا بالخشوع، ولذلك فقد امتدح الله جل وعلا الخاشعين في آيات كثيرة. قال تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } [الإسراء:109]. وقال سبحانه :{ َإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } [البقرة:45]. وجعل سبحانه وتعالى الخشوع من صفه أهل الفلاح من المؤمنين فقال:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون:1-2]. وقال{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء : 90]. عَن عُثمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم يحضر صلاةً مكتوبةً فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وخُشُوعَها وَرُكُوعَهَا، إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم تُؤْتَ كَبِيرةٌ وذلك الدهر كله”. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مُسْلِمٍ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يُقْبِلُ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وَجَبَت لَهُ الجَنَّة” (رواه مسلم).
ولما كان الخشوع صفه يمتدح الله بها عبادة المؤمنين، دل على فضله ومكانته عند الله، ودل على حب الله الأهل الخشوع والخضوع، لأن الله سبحانه لا يمدح أحداً بشيء إلا وهو يحبه ويحب من يتعبده به. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”سبعة يظلهم الله في ظله ،يوم لا ظل إلا ظله-وذكر منهم- ورجل ذكر الله خالياُ ففاضت عيناه”[متفق عليه].
ووجه الدلالة من الحديث:أن الخاشع في صلاته يغلب على حاله البكاء في الخلوة أكثر من غيره, فكان بذلك ممن يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
والخشوع في الصلاة،هو توفيق من الله جل وعلا، يوفق إليه الصادقين في عبادته ،المخلصين المخبتين له ،العاملين بأمره والمنتهين بنهيه. فمن لم يخشع قلبه بالخضوع لأوامر الله خارج الصلاة،لا يتذوق لذة الخشوع ولا تذرف عيناه الدموع لقسوة قلبه وبعده عن الله .قال تعالى :{ ِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] ،فالذي لم تنهه صلاته عن المنكر لا يعرف إلى الخشوع سبيلاُ، ومن كان حاله كذلك ،فإنه وإن صلى لا يقيم الصلاة كما أمر الله جل وعلا ، قال تعالى:{ َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45].