فقه توريث الخبرة الدعوية
توريث أي فكر أو معتقد أو عمل من أهم عوامل بقائه ونمائه وتطوره، وهو من عوامل استقراره واستمراره في حالات الطوارئ أو العقبات التي تعيقه، كما أن فيه ضماناً للمحافظة على ثوابت العمل وأهدافه الاستراتيجية…وإذا كان ذلك على وجه العموم، فهو من باب أولى وأوجب ينطبق على العمل الإسلامي، وذلك لسمو أهدافه وعظيم الثواب المنتظر من رب العالمين.
أعني بـ”فقه التوريث”: كيف يتم توارث الفكر والمعتقدات والعمل كله بكامل ثوابته وأسسه وأهدافه بين الأجيال المختلفة؟ وتحديد الأسس الواجب اتباعها بين الموروث والوارث؟ وكيف نتجنب حدوث تباين بين الأجيال الدعوية؟ وكيف نشعر أن الدعوة أمانة يجب توصيلها لمن بعدنا كاملة غير منقوصة؟ وكيف أنها في ضوء ذلك تصبح حقاً من حقوق الجيل الجديد الواجب على الجيل القديم؟
التوريث ليس منَّة من جيل على جيل؛ لكنه حق وواجب على كلا الطرفين، إذ واجب على جيل السبق والخبرة أن يحتضن الجيل الجديد في حنو وعطف ويورثه ما منَّ الله به عليه من فضل، ويثق أنه يتقرب بذلك إلى الله، ويُعذر إليه سبحانه، بتوريثه ما فقه لمن بعده من أجيال العمل حتى لا يُصاب بشبهة “حبس العلم”.
والتوريث واجب في الوقت ذاته على الجيل الجديد، ليعمل ويصبر ويصابر في سبيل نيل هذا الحق. فلا ينتظر أن يطرق الخير بابه دون جهد وعناء. بل عليه أن يبحث عن أهل الفضل وينهل منهم ويتتلمذ على أيديهم في تواضع طالب العلم وصبر المجاهد، وأن يستشعر أنها أمانة هو محاسب عليها إذا لم يسع جاهداً لنيلها.
فليكن إذاً شعار الطرفين القاعدة القرآنية العظيمة: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [المائدة:2 ] ، وأن كلاً منهما محاسب عليها إذا قصر في حق الطرف الآخر.
أهميته والحاجة إليه
إن حاجتنا ل”فقه التوريث” لا تقل عن حاجتنا لنشر العمل والدعوة. إذ إن الوارثين للفهم السليم والعمل المؤسسي هم الذين سينشرون الدعوة ويتحملون التبعات والصعاب في سبيل ما ورثوه، وهم الذين سيتحملون كل عقبات العمل تقرباً إلى الله سبحانه، فإذا أُحسن تربيتهم على “فقه التوريث” فسوف يحسنون العمل للدين ويحسنون نشره، وتحمل مسؤولياته.
إن في اتباعنا “فقه التوريث” ضماناً لاستمرار العمل وتطوره ودفع دماء جديدة في شرايينه، كما أن في الدمج بين الخبرة والشباب في مختلف مجالات العمل إثراءً للعمل وتطوره وعدم جموده وتواصلاً بين خبرات العمل المختلفة.
نموذج
القدوة من أهم وسائل التوريث العملي، ومن أهم عوامل بقاء وتطور العمل.
ولقد كان الإمام حسن البنا يرحمه الله من الفِراسة والحكمة بحيث اهتم بجانب التوريث العملي للدعوة، فاهتم ببناء وتنشئة الرجال وتوريثهم فهمه للإسلام، كما بث فبهم روح العزيمة وعلو الهمة لتحقيق أهدافهم، ورباهم على أسس الفهم السليم للإسلام، متبعاً منهج المصطفى ص في ذلك، فأنشأ جيلاً فريداً من الدعاة أعاد للأذهان الأجيال الأولى من الصحابة والتابعين.
فالإمام لم يُتهم كبعض من سبقوه، بالانكفاء على كتابة الكتب وتدوينها في مجلدات، لكنه عمد إلى تربية الرجال، فانطلقوا ناشرين للإسلام في أصقاع الأرض بمختلف الوسائل: كتابة ووعظاً وعملاً وحركة وقدوة، فكان الجيل الذي رباه البنا كُتباً ناطقة ومتحركة في الأرض، يعلمون الناس مما علمهم الله، وفي الوقت ذاته، يورثون الفهم الصحيح والعمل الدعوي المستنير لمن هداه الله لهذا الطريق.
وعن تأثير ودور هذا الجيل في المجتمع يقول د. احمد شلبي يرحمه الله : ” أدت هذه الجماعة الإخوان المسلمون دوراً إسلامياً رائعاً في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرة يعتز بها الكثيرون، وربطت بين جماعات المسلمين في مختلف الأنحاء، وكوَّنت من المسلمين قوة هائلة هزَّت غطرسة الاستعمار وقوى الغرب وطلائع الصهيونية ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعات تعرف الله وتخلفه، وبالتالي تنتج بجدٍّ، وتعمل بدون رقيب من الناس، ولا تمتد لها الشبهات، ولا يمسها انحراف، وكانت كلمة الإخوان المسلمين طابعاً للتنزه عن الصغائر، والبعد عن الرشوة والإهمال، ومؤشراً للحرص على أداء الواجب” . [ موسوعة التاريخ الإسلامي، الجزء9 ] .
فهذا تأثير “فقه التوريث” العملي في المجتمع والأمة كلها، وإن الجيل الأول من الدعاة الذي تربى على يد الإمام البنا ورفاقه لهو كنز حقيقي للعمل الإسلامي كله، وعلى جميع العاملين للإسلام أن ينهلوا منه ويتوارثوه، ولا أقول “الإخوان فقط” ذلك أن دعوة “الإخوان المسلمين” أضحت من المكانة في النفوس والانتشار والتأثير بمكان على ألا تقتصر على فئة من العاملين للإسلام دون أخرى حتى لو كانوا هم الإخوان أنفسهم فجماعة الإخوان دعوة عالمية وملك للأمة، وهي لا تنتصر لنفسها قط، لكنها تنتصر لله. فالله تعالى هو غايتها.
كما أن جماعة الإخوان منذ نشأتها وحتى يومنا هذا تمد يدها لجميع العاملين للإسلام للتعاون في نقاط الاتفاق الكثيرة التي تجمعهم، بل تعدَّى الأمر ذلك حتى إنهم ليمدون أيديهم لمن بغى عليهم محتسبين ما تعرَّضوا له من ويلات عند الله ابتغاء لمرضاة الله، والعمل الجاد الحثيث لتوريث وتبليغ الدعوة للأجيال القادمة، متعالين على جراحهم وما أصابهم من أذى في سبيل الله.
فتوريث الدعوة والعمل يستحق أن نضحي في سبيله بجراحاتنا وآلامنا وليكن شعارنا: ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم ) .
إننا نريد جيلاً يحمل الراية : قوياً في عزم، أميناً في حسم، مجاهداً في صبر، ومخلصاً في سبيل الله على أن يسلمها لمن بعده كاملة غير منقوصة، وهنا على القيادة الواعية أن تؤصل وتجذر “فقه التوريث” بين أفرادها، وأن تزيل الفوارق من النفوس دون الإخلال بمبدأ معرفة الفضل وإنزال الناس منازلهم، ولتكن متمثلة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ) .
علينا أيضاً أن نورث المرجعيات الشرعية للعمل قبل توريثنا للأفكار والمعتقدات الفكرية للعمل، فالعمل الإسلامي كله قائم لوجه الله وابتغاء مرضاته، وكذلك يجب أن ترسخ المعاني الإسلامية العظيمة كالإخلاص لله والتجرد له والأخوة والشورى وقوة الإرادة والتضحية والجهاد والثبات في النفوس لتتوارثها الأجيال الدعوية. إن دور “فقه التوريث” في المنظومة الحركية للعمل غاية في الأهمية ويحتاج إلى جهد لترسيخه في النفوس.
فإذا فُعِّل التوريث استغلت الطاقات، وتواصلت الأجيال، واتحدت الخبرات وتوحدت الصفوف، وزاد الشعور بالانتماء، وبأهمية الدور والهدف، وهو ما يؤدي إلى ازدهار العمل، ونمائه.
إلي هنا انتهي كلام مجلة المجتمع
الأخ الفاضل والداعية المجاهد والمربي الأمين
نحتسب فيك اخلاص لله وحده يحركه غاية نسعي إليها جميعا
واعلم أن الجماعة قد سلمتك ماضيها وحاضرها ومستقبلها
سلمتك اخونك واستأمنتك عليهم عقيدة وفكرة وعمل وجهاد وهم رصيد المشروع الاسلامي من جهد قارب 90 عاما فهو
ماضي وافر حينما تكون نتيجته هذا الشباب المؤمن النقي الذى نحسبه مخلصا لدين ودعوة والله حسيبه وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل
وحاضر فأنت وهم عماد العمل وركيزة النجاح التي تقوم عليها الجماعة في الحاضر
ومستقبل حيث تكون أنت واخوانك حراس دعوة وخلفاء في أمانه عظيمة مطالبين بتوريثها لمن بعدكم
فاستعن بربك واجهد لدعوتك ونفسك واخوانك وليكن لك مع إخوانك جهد يبدئ دوما بنداء