لا يختلف اثنان من المسلمين على المكانة الخاصة لفلسطين وللقدس، وقد أجمع المسلمون على أن لبيت المقدس وأكنافه مكانة مرموقة للأسباب التالية:
أرض البركات
ورد فعل (باركنا) في القرآن الكريم خمس مرات، وفي المرات الخمسة كلها يدور الكلام حول بيت المقدس، جاء ذلك في الآيات التالية:
قال تعالى: “الذي باركنا حوله” قال تعالى: “ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين“قال تعالى:”وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها“قال تعالى: “ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها“قال تعالى: “وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة“
وبركة أرض بيت المقدس ترجع إلى كون هذه الأرض مبعث كثير من الأنبياء كداود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وهي مهبط الملائكة لقوله ﷺ: (يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام” ويرقد في فلسطين كثير من الأنبياء منهم أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، وقبره معروف في مدينة الخليل، وأن بعض الأنبياء أوصى أن يدفن فيها، وبعضهم طلب من الله أن يدفن في أرض قريبة منها، قال النووي: (وأما سؤاله -أي موسى عليه السلام- الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم) ، ولكونها أرض المحشر والمنشر، روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي ﷺ قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: “أرض المحشر والمنشر“
أولى القبلتين
استمر المسلمون في التوجه إلى المسجد الأقصى منذ أن فرضت الصلاة (قبل الهجرة) إلى أن جاء الأمر بتحويل القبلة بعد الهجرة بستة عشر شهرا، عنـدمـا نـزل قوله تعالى: “وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ“
ثالث المدن المعظمة
فالمعروف في الإسلام أن هناك ثلاث مدن معظمة وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) ، وقد جعل الإسلام الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي بألف صلاة وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة.
أرض الإسراء والمعراج
وحادثة الإسراء والمعراج لها أهميتها العظيمة في الإسلام ففيها فرضت الصلاة، وفيها أم الرسول ﷺا لأنبياء، وفي هذا من المعاني الكثير، ولعل من أهمها انتقال القيادة الدينية من بني إسرائيل إلى أمة جديدة، ورسالة جديدة للناس أجمعين “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ(، وللإسراء والمعراج دلالات عظيمة في نفوس أتباع هذا الدين، فهي تدل على ارتباط المسجدين الأقصى والحرام ارتباطا روحيا،
أرض الرباط والجهاد
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة مرفوعا إلى رسول الله ﷺ قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قيل يا رسول الله أين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)
عقر دار الإسلام
فعن سلمة بن نفيل قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (عقر دار الإسلام بالشام)
أرض الشهداء
لم يتخضب تراب أي ثغر إسلامي بدم الشهداء مثل ما تخضبت به أرض الإسراء، فمنذ حملة الفتوح الأولى التي قادها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفلسطين تتروى بالدم الزكي الطهور، حيث نال الشهادة في معارك أجنادين وفحل وقيسارية التي جرت على أرضها جمع غفير من الصحابة، وفي معارك تطهير فلسطين من الصليبيين التي قادها نور الدين زنكي وأولاده وصلاح الدين وأفراد أسرته قدم الآلاف أرواحهم الطاهرة في سبيل الله. وفي عين جالوت التي رد فيها المسلمون التتار نزفت الـدمـاء الزكية مـن أبنـاء المسلمين. وخلال الأربعة عقود الماضية من هذا القرن ودماء المسلمين في فلسطين تسيل طاهرة زكية وما زالت قوافل الشهداء تترى.
لهـــذه الأسبـــاب وغيــــرهـــــــا فـــــــــــــإن فلسطين كــــــــــانــــــت ولا زالــــــــــت وستبقى أرضـــــــا مقدســـــة في اعتقــاد المسلميــــن، لهـــا أهميتهـــا ومكــــانتهـــا.. تهـفو إليهــــــا نفـــوس المؤمنيـــــن.. يدافعــــــون عنها ويروونهـــــــا بدمائهـــم.. هكذا كانـــــــــت.. وستظــل إلى قيــام الســاعــــــة.